حق مكتسب
 بقلم اسماء ندا  
الفصل الخامس 
 الجزء الأول: اللقاء الأول
لم تنم ليلى تلك الليلة.
ظلت جالسة قرب النافذة حتى الفجر، تحدّق في السماء الرمادية وهي تفكر فيما سمعته من سلمى. كانت الساعات تمضي ببطء شديد، وصوت عقارب الساعة يقرع في أذنها كنبضٍ قلق لا يتوقف.
ابنها آدم... هو حقًا ابنها، دمها ولحمها، لكن هناك شيء غامض في قصته، سرّ لم يُكشف بعد.
منذ لحظة معرفتها بنتيجة التحليل، لم يهدأ قلبها. كانت فرحتها بالعثور على ابنها تمتزج بخوفٍ غامض، كأن الحقيقة ما زالت تخفي وراءها وجعًا آخر.
سألت نفسها مرات لا تُحصى:
> "ليه خبّوا عليه؟ وليه سجلّوه باسم عائلة العدل؟ وليه سامي العدل وافق يربيه وهو مش ابنه؟"
لكنها لم تجد إجابة.
كل ما كانت تعرفه أنها لن تستطيع الانتظار أكثر. عليها أن تراه، أن تكلمه، أن تخبره بكل شيء مهما كان الثمن.
---
في صباح اليوم التالي، نهضت ليلى وهي تشعر بخفة غريبة في جسدها، كأنها تخلّصت من حملٍ ظلّ فوق صدرها سنوات طويلة.
ارتدت فستانًا رماديًا بسيطًا ومعطفًا داكنًا، ثم ربطت شعرها للخلف بعناية.
وقفت أمام المرآة للحظة طويلة.
كانت التجاعيد تزداد وضوحًا تحت عينيها، لكن في ملامحها كان هناك ضوء جديد، يشبه أملًا وُلد من رماد.
قبل أن تغادر الشقة، وضعت في حقيبتها الصور القديمة لآدم وهو رضيع، ونسخة من تحليل الحمض النووي، وكأنها تحمل في يدها مفاتيح ماضيها المسروق.
خرجت إلى الشارع، الهواء البارد يلفح وجهها، لكنها لم تبالِ.
أوقفت سيارة أجرة متجهة إلى كلية الإعلام.
خلال الطريق، ظلت تحدّث نفسها بصوتٍ خافت:
> "هقوله إني أمه؟ ولا أبدأ بالحكاية من بعيد؟ طب لو صدمني ورفضني؟ لو قالّي إني كدابة؟"
لكن كل تلك الأسئلة كانت تذوب أمام فكرة واحدة تملأ عقلها: أنا لازم أشوفه النهارده.
---
وصلت إلى الكلية قبل أن تبدأ المحاضرات. كانت الساحة مزدحمة بالطلاب، الأصوات تختلط كأنها سيمفونية من الحياة لم تسمعها منذ زمن بعيد.
وقفت ليلى إلى جوار السور الحجري تراقب من بعيد، حتى لمحته قادمًا بخطواتٍ سريعة، يحمل حقيبة ظهره كالعادة.
كان يرتدي قميصًا أبيض بسيطًا، وشعره الفوضوي يلمع تحت ضوء الشمس.
اقترب أكثر، فشعرت ليلى بأن قلبها يكاد يقفز من صدرها.
مرت لحظة التقت فيها نظراتهما من بعيد. لم يعرفها، بالطبع.
كانت بالنسبة له مجرد امرأة غريبة تنظر إليه، لكنه خفّض عينيه بخجل ومضى في طريقه.
أما هي، فقد شعرت كأن الحياة نفسها توقفت عند تلك النظرة العابرة.
---
بعد انتهاء محاضرته، جلست ليلى قرب كافتيريا صغيرة بجوار البوابة، حيث يخرج الطلاب لتناول الغداء.
كانت تراقب كل وجه يمرّ، وكل ضحكة، وكل حركة.
وحين رأته أخيرًا يخرج من البوابة مع صديقه، قررت ألا تؤجل أكثر.
نهضت ببطء، وبدأت تتبعه بخطواتٍ مترددة.
كان يسير باتجاه النيل، حيث الممشى الهادئ الذي يفضّله الطلاب.
اقتربت منه وهي تشعر بأن الأرض تميد تحت قدميها، حتى صارت على بعد خطوات قليلة منه.
ترددت لحظة، ثم نادته بصوتٍ مرتجف:
– "آدم..."
توقف فجأة، والتفت نحوها.
نظر إليها باستغرابٍ واضح، حاجباه مرفوعان وعيناه مليئتان بالتساؤل.
– "نعم؟ حضرتك تعرفيني؟"
لم تستطع الكلام للحظة. الكلمات علقت في حلقها.
ابتسمت بخفوت، وقالت بصعوبة:
– "أنا... كنت عايزة أكلمك دقيقة بس، لو تسمح."
تبادل النظرات مع صديقه، ثم أشار له بالانتظار على بُعد.
– "تمام، حضرتك عايزة إيه؟"
جلست على مقعدٍ قريب وأشارت له بالجلوس.
كان وجهه قريبًا جدًا منها، والهواء المحيط به يحمل رائحة الصابون والنعناع.
نظرت إليه كأنها تراه بعيني قلبها لا بعينيها، وقالت بهدوء:
– "أنا ليّا فيك كلام كتير يا آدم... كلام استنيته سنين."
عبس قليلًا، ثم قال:
– "أنا مش فاهم حضرتك تقصدي إيه."
تنهدت ليلى بعمق.
– "عارف لما حد يعيش عمره كله مستني يشوف وشّ غالي عليه؟… الوش ده وشّك يا آدم."
أحس الشاب بالارتباك، ثم قال بنبرةٍ حذرة:
– "حضرتك تعرفيني منين؟"
فتحت حقيبتها ببطء وأخرجت الصورة القديمة له وهو رضيع. مدت يدها بها نحوه.
– "ده إنت يا آدم، كنت في دار النور… أنا اللي ولدت الصورة دي."
تجمّد في مكانه وهو ينظر إلى الصورة.
– "دار النور؟! أنا… فعلاً كنت متبنّى، بس ماما وبابا قالولي إنهم لقوني هناك بعد ما اتخلّيت عني."
صوتها ارتجف وهي تقول:
– "ما حدش اتخلى عنك يا ابني… أنا اتخدت مني ظلم. أنا أمك الحقيقية."
---
ساد صمتٌ ثقيل.
الرياح مرّت خفيفة بين الأشجار، وأصوات السيارات تلاشت كأنها بعيدة جدًا.
كان وجه آدم قد تغيّر تمامًا، مزيج من الذهول والشك والإنكار.
– "أمي؟!… حضرتك بتقولي إيه؟ دا مستحيل!"
ابتسمت ليلى بمرارة، ودموعها تلمع في عينيها.
– "كنت أعرف إنك هتقول كده، بس معايا دليل."
أخرجت الورقة المطبوعة من المعمل وسلمته إياها.
– "ده تحليل DNA، يثبت إنك ابني."
أخذها بيدٍ مرتعشة، وقرأ السطور بعينين متسعتين.
كانت النتيجة واضحة أمامه بالأرقام.
لكنه لم يصدقها بسهولة.
– "مين أنتي بالظبط؟ وليه دلوقتي؟ بعد كل السنين دي؟"
قالت بصوتٍ متهدج:
– "أنا كنت في السجن يا آدم. دخلوني ظلم بدل واحدة غنية كان ليها نفوذ. كنت حامل فيك ساعتها، وولدت جوّه السجن. وبعد سنتين خدّوك مني وقالوا إنك اتحطّيت في دار أيتام، وبعدها اتبنّوك. أنا ما كنتش أعرف غير كده."
ظلّ صامتًا، لا يجرؤ على النظر في وجهها.
كانت كلماته بطيئة، مترددة، كأنها تخرج من أعماق لا تصدّق:
– "يعني... أنا ابن سجينة؟"
تألمت ليلى من الكلمة، لكنها لم تلُمَه.
– "ابن بريئة، مش سجينة. اتظلمت، زَيّ ما اتظلمت إنت. بس دلوقتي أنا خارجة أدور على حقي وعلى ابني."
أطرق رأسه طويلًا، وكأن داخله عاصفة من الأفكار لا تهدأ.
قال بصوتٍ خافت:
– "أنا محتاج وقت. دي حاجة مش سهلة. اللي ربيّوني ناس كويسين، عمري ما حسّيت منهم إلا بالحب."
– "ما بطلبش منك تكرههم يا آدم. بالعكس، اشكرهم إنهم ربّوك. أنا بس عايزة تعرف إنك ليّ، من لحمي ودمي. عايزة أكون في حياتك، حتى لو من بعيد."
رفع عينيه نحوها، وفيها حيرة طفلٍ فقد طريقه.
– "بس إزاي أتأكد إنك بتقولي الحقيقة؟ ممكن تكوني بتستغلّي حاجة ما أعرفهاش!"
أخرجت من حقيبتها صورة أخرى، تلك التي كانت التقطتها الممرضة يوم ولادته في السجن. كانت الصورة باهتة لكنها تحمل نفس الملامح الطفولية في وجهه.
– "دي صورتك وأنا شايلةك في حضني... في اليوم اللي اتولدت فيه."
أخذ الصورة ببطء، وعيناه تمتلئان بالدموع. لمسها بإصبعه كأنه يتحسس الماضي المفقود.
لكن قبل أن يتكلم، رنّ هاتفه فجأة.
نظر إلى الشاشة ثم قال بانفعال:
– "بابا بيتصل!"
ثم وقف بسرعة وقال:
– "أنا لازم أمشي دلوقتي."
حاولت أن تمسك بذراعه، لكنه ابتعد خطوة للخلف.
– "من فضلك سيبني أستوعب اللي حصل… لو الكلام ده حقيقي، هرجع أكلمك."
وابتعد بخطواتٍ سريعة حتى اختفى عند زاوية الطريق، تاركًا ليلى واقفة وحدها، تحمل صورتها القديمة كأنها بقايا حياةٍ ضاعت.
---
جلست على المقعد من جديد، ووجهها غارق في دموعها.
كانت تعلم أنه لن يصدقها بسهولة، لكنها كانت تشعر بأن شيئًا ما في قلبه تغيّر. النظرة الأخيرة التي ألقاها قبل أن يرحل لم تكن نظرة إنكارٍ خالص، بل نظرة خوفٍ وارتباكٍ وحيرة… ونقطة صغيرة من الشك، تكفي لتفتح باب الأمل.
أمسكت الهاتف واتصلت بسلمى بصوتٍ متهدج:
– "قابلته… قلتله كل حاجة."
– "وهو صدّقك؟"
– "لسه… بس شُفت في عينيه حاجة، حاجة بتقول إنه مش هيقدر يهرب مني تاني."
---
في المساء، كان آدم يجلس في غرفته، والأوراق ما زالت بين يديه.
قرأ نتيجة التحليل عشرات المرات، كأنه يحاول نفيها بعينيه.
في رأسه أصوات كثيرة: صوت والدته التي ربته وهي تروي له قصص طفولته، وصوت ليلى وهي تقول له "أنا أمك الحقيقية".
لم يستطع أن يربط بين العالمين.
فتح درج مكتبه وأخرج ألبوم الصور العائلية.
تأمل الصور القديمة له وهو طفل، بين ذراعي امرأة يظنها أمه.
ثم عاد ببصره إلى الصورة التي أعطتها له ليلى — تلك التي في السجن.
كانت ملامح المرأة في الصورتين متشابهة بطريقة غريبة… النظرة، الابتسامة، الحنان.
همس بصوتٍ خافت:
> "مستحيل… بس ليه حاسس إني مصدّقها؟"
ثم أغلق الألبوم ببطء، وأسند رأسه إلى الحائط، وعيناه تمتلئان بالدموع.
---
أما ليلى، فكانت في تلك اللحظة تجلس وحدها في شقتها، تقلب بين الصور نفسها.
تذكّرت صوت بكائه الأول، لمسته الصغيرة، رائحته حين كانت تضمّه إلى صدرها.
تذكّرت أيضًا لحظة انتزاعه منها بالقوة وهي تصرخ:
> "ما تاخدوش ابني!"
لكن لا أحد سمعها يومها.
رفعت رأسها نحو السماء وقالت بصوتٍ متعب:
> "يا رب، اديني قوة. لو كنت ظلمت قبل كده، ساعدني أصلّح اللي اتكسر."
---
مرّت الليلة طويلة وثقيلة على كليهما.
وفي الصباح، كانت هناك رسالة قصيرة على هاتف ليلى من رقمٍ مجهول:
> "أنا محتاج أقابلك تاني… لو تقدري، نفس المكان اللي قابلتك فيه."
وقفت ليلى للحظة وهي ترتجف من المفاجأة، ثم ابتسمت بخفة والدموع تلمع في عينيها.
> "رجعلي يا رب… رجعلي ابني."
---
الجزء الثاني
اعتراف النهر
كانت الشمس تميل إلى الغروب حين وصلت ليلى إلى الممشى النهري.
نفس المكان الذي التقته فيه أول مرة، لكنه بدا مختلفًا اليوم، أكثر هدوءًا، وكأن النهر نفسه ينتظر تلك المواجهة.
الريح الباردة داعبت أطراف شعرها وهي تسير ببطء، خطواتها مترددة لكنها ثابتة، تمسك حقيبتها كمن يحمل سرًّا لا يحتمل الانتظار.
جلست على المقعد الخشبي القديم المطل على الماء، المكان الذي حفظت تفاصيله بعينيها منذ اللقاء الأول.
مرّت دقائق ثقيلة، لمحت بعدها آدم قادمًا من بعيد.
كان يسير بخطواتٍ متوترة، رأسه منخفض، ويداه في جيبيه.
وعندما اقترب منها، رفعت عينيها نحوه بابتسامةٍ مرتعشة، تلك الابتسامة التي تحمل بين طياتها ألف دمعة مكبوتة.
قال بهدوءٍ حذر:
– "أنا جيت... بس لسه مش متأكد إني لازم أكون هنا."
أومأت ليلى برأسها:
– "كفاية إنك جيت يا آدم، الباقي هيوصل لوحده."
جلس إلى جوارها، لكن مسافة صغيرة فصلت بينهما، كأنها المسافة بين الماضي والحاضر، بين الأم والابن الغريب.
ظلّ كلاهما صامتًا للحظة، لا يسمعان سوى صوت الماء وهو يلامس الشاطئ.
ثم قال بصوتٍ منخفض:
– "قريت الورق اللي جبتيه. صدقيني، أنا مش عارف أحس بإيه. كل حاجة اتربيت عليها، كل اللي كنت فاكره عن نفسي، انهار فجأة."
– "عارفة يا حبيبي… مفيش وجع أصعب من إنك تكتشف إن حياتك كلها كانت مبنية على كذبة."
التفت نحوها بحدة مفاجئة:
– "بس الكذبة دي خلتني أعيش حياة كويسة! كنت ابن ناس غنية، دخلت مدارس خاصة، سافرت، درست اللي بحبه. إنتِ كنتِ فين وأنا عايش دا كله؟"
تجمدت كلماتها في حلقها، ثم قالت بصوتٍ متهدج:
– "كنت في زنزانة، ظلموني وسجنوني بدل واحدة ما تعرفش الرحمة. كنت بصرخ كل ليلة عشان أوصل لك، بس محدش سمعني. كانوا يقولولي إن الطفل اتسحب لدار أيتام وإن محدش يعرف هو فين."
هزّ رأسه ببطء، وكأنه يحاول مقاومة تصديقها.
– "الست اللي اتكلمتِ عنها… هي السبب؟ اللي كنتِ مكانها؟"
– "أيوه. اسمها نورا العدل، مرات سامي العدل اللي ربّاك. كانت في قضية كبيرة وقتها، حادثة فيها موت، وأنا كنت الشاهدة الوحيدة، بس قلبوا الحقائق وخلوّني أنا المذنبة. ليها نفوذ ومال، وأنا ما كنتش أملك غير كرامتي، فدفنوني جوّه السجن وهي خرجت حرة."
اتسعت عيناه في ذهول:
– "نورا؟! دي أمي اللي ربتني!"
أطرقت ليلى رأسها بحزنٍ عميق:
– "عارفة… ويمكن ما كانتش عايزة غير تنقذ نفسها، بس اللي حصل بعد كده ما ينفعش يتنسى. هي السبب إنك اتولدت بين الجدران، وإنك اتخدت مني."
أخذ آدم نفسًا عميقًا، نظر إلى النهر طويلاً، ثم قال:
– "طب ليه دلوقتي؟ ليه بعد كل السنين دي قررتي تدوري عليّ؟"
نظرت إليه بعينين دامعتين:
– "عشان ما بقتش قادرة أعيش وأنا مش عارفة ابني فين. عشان حلمي الوحيد اللي شالني وأنا في السجن كان إني أشوفك حر وسعيد. لما خرجت، كنت محتاجة أرجع حقي منك، مش الفلوس ولا الانتقام… ابني، ده كل اللي فاضلي."
سادت لحظة صمتٍ طويلة.
الهواء كان بارداً، ورائحة النهر محمّلة بذكرياتٍ غريبة لا تخصّهما وحدهما.
أخيرًا قال آدم بصوتٍ خافت، كأنه يكلّم نفسه:
– "أنا مش عارف أكرهك، بس مش قادر أصدق بسهولة. عايز أفهم كل حاجة الأول. عايز أعرف الحقيقة بنفسي."
ابتسمت ليلى، وفي ابتسامتها امتزج الفخر بالوجع:
– "ده اللي كنت مستنياه منك، إنك تدور، مش ترفض. لأن الحقيقة لو دورت عنها، هتوصلك ليا في الآخر."
---
في تلك اللحظة، دوّى صوت أذان المغرب من بعيد، فتداخل صداه مع هدير النهر، فشعرت ليلى بأن الزمن كله توقف.
أخرجت من حقيبتها ظرفًا صغيرًا، ناولته له.
– "ده فيه كل اللي قدرت أجمعه. صور، أوراق، حتى نسخ من التحقيقات القديمة. لو عايز تفهم، إقرا."
أخذ الظرف ووضعه في حقيبته دون أن يفتحه.
ثم قال بترددٍ واضح:
– "أنا هحتاج وقت، يمكن كتير. بس لو اللي بتقوليه حقيقي… ساعتها لازم أواجههم."
هزّت رأسها بهدوء:
– "عارفة إن المواجهة دي هتوجّعك، بس هي الطريق الوحيد للحقيقة."
نهض واقفًا، ألقى نظرة أخيرة عليها قبل أن يبتعد، لكن خطواته كانت أبطأ من المرة السابقة.
كأنه هذه المرة لم يكن يهرب، بل يحاول أن يحمل ما سمعه على كتفيه الثقيلة.
راقبته ليلى حتى اختفى عن ناظريها، ثم أغمضت عينيها ودمعة ساخنة انسلت على خدها.
> "رجعلي بخطوة… ولسه باقي الطريق."
---
في تلك الليلة، جلس آدم في غرفته وحده، أمام الظرف الذي تركته له.
فتح الأوراق واحدة تلو الأخرى:
صور قديمة بالأبيض والأسود، وثيقة ميلاد من دار النور، محضر تحقيق، وشهادة طبيب السجن عن ولادة امرأة اسمها ليلى حسن داخل الزنزانة رقم ٨.
كانت التفاصيل تتطابق بشكلٍ غريب مع ما روته له.
وبين الأوراق، وجد ورقة صغيرة مكتوبة بخطّ يدٍ أنثوي باهت:
> "إلى من سيكبر دوني… سامحني، مش بإيدي كنت بعيدة عنك، بس قلبي عمره ما فارقك لحظة واحدة."
قرأها بصوتٍ مرتعش، وأحسّ كأن جدران غرفته تضيق عليه.
تذكّر ليالي كثيرة شعر فيها بالوحدة رغم وجود الجميع، لحظات لم يعرف سببها لكنه كان يشعر دائمًا بأنه مختلف، غريب، مفقود الأصل.
الآن فقط بدأ كل شيء يأخذ شكله الحقيقي.
---
في صباح اليوم التالي، كان يجلس على مائدة الإفطار مع والده سامي العدل، الرجل الوقور ذو الشعر الفضي والنظرات الصارمة، ومع والدته نورا التي كانت تتابع نشرات الأخبار بصمت.
كان الجو ثقيلًا على غير العادة، إذ بدا آدم شاردًا، يعبث بملعقته دون أن يتحدث.
قال سامي بحدةٍ لطيفة:
– "مالك يا ابني؟ شكلك مش طبيعي من امبارح."
– "مفيش يا بابا، شوية تعب."
رفعت نورا رأسها، نظرت إليه نظرة فاحصة، ثم قالت بابتسامةٍ مصطنعة:
– "الجامعة مأثرة عليك ولا إيه؟ أنت باين عليك مرهق."
أخفض نظره إلى الطبق أمامه، ولم يرد.
لكن عقله كان يعجّ بعاصفة من الأسئلة.
هل تخبره الآن؟ هل يواجههما بما عرف؟ أم ينتظر حتى يتأكد أكثر؟
قرر أن يصمت.
لكنه، بعد أن غادرا المائدة، تسلل إلى غرفة والدته القديمة حيث تحتفظ بأوراقها الخاصة.
فتح أحد الأدراج بخفة، وبدأ يقلب بين الملفات حتى وجد شيئًا لفت نظره:
شهادة ولادة باسمه… بتاريخ مختلف عن التاريخ الموجود في أوراق دار الأيتام.
همس لنفسه بدهشة:
> "يعني في تزوير فعلاً؟!"
واصل البحث حتى وجد مظروفًا آخر كتب عليه "قضية ١٩٩٨ – الخاصة."
فتح المظروف فوجد أوراقًا صفراء قديمة، إحداها تحمل اسم "ليلى حسن عبد الجواد."
تجمّد في مكانه. كانت نفس الاسم الذي قرأه في أوراق أمه الحقيقية.
لم يسمع صوت الباب وهي تفتحه، حتى باغتته نورا بصوتٍ مرتفع:
– "آدم! بتعمل إيه في حاجاتي؟!"
استدار بسرعة، الأوراق ما زالت في يده.
– "ماما… ممكن تفهميني؟ مين ليلى حسن؟ وليه اسمها في أوراقك؟"
تغير وجهها للحظة، لكن سرعان ما استعادت هدوءها الزائف:
– "دي واحدة كانت خدامة عندنا زمان، ليه بتسأل؟"
تقدم خطوة نحوها، وصوته يرتجف:
– "مش خدامة… دي أمي الحقيقية، مش كده؟"
شهقت وهي تحاول إخفاء اضطرابها:
– "إيه الهبل اللي بتقوله ده؟!"
لكن نظرته كانت كاشفة.
مدّ الورقة أمامها:
– "تحليل DNA، النتيجة مطابقة ليها بنسبة مية في المية. أنا قابلتها، وقالتلي كل حاجة."
تراجعت خطوة للخلف، ارتجفت شفتاها:
– "هيّ دي لسه عايشة؟!"
قال بمرارةٍ حادة:
– "آه، وطلعت من السجن بعد ما قضت ١٨ سنة بدلِك!"
صمتت لوهلة، ثم وضعت يدها على جبينها كأنها تتذكر شيئًا ثقيلًا.
– "ما كنتش قصدي يحصل كده يا آدم… كان لازم أعمل كده، كنت هضيع. كنت حامل، وكانت حياتي كلها هتتدمر. سامي ما يعرفش حاجة، كله كان اتفاق سري. هي اللي وافقت تدخل مكاني مقابل فلوس!"
صرخ آدم بحدةٍ لم يعرفها في نفسه من قبل:
– "كذب! هي ما وافقتش، إنتِ اللي زورتي وحبستيها ظلم!"
اقتربت منه محاولة الإمساك بيده، لكنه أبعدها بعنف:
– "طول عمري كنت حاسس إن في حاجة ناقصة… دلوقتي فهمت كل حاجة. أنا كنت عايش في بيت مش بيتي!"
اندفعت الدموع من عينيها، لكنها لم تقترب منه هذه المرة.
كانت نظراته نحوها مزيجًا من الغضب والخذلان، كأن كل ما كان مقدسًا بداخله انهار دفعةً واحدة.
قال ببرودٍ قاتل قبل أن يغادر الغرفة:
– "من النهاردة، ما فيش حاجة اسمها أمي."
ثم خرج وصفق الباب وراءه بقوة، تاركًا نورا جالسة على الأرض، ترتجف بين دموعها وصمتها الثقيل.
---
في تلك الليلة، تلقت ليلى اتصالًا منه.
كان صوته متهدجًا:
– "كنتِ صادقة… هي اعترفت."
لم تستطع الكلام من شدة الانفعال.
– "يا رب… كنت عارفة إن اليوم ده هييجي."
قال بصوتٍ حزين:
– "بس مش عارف أتعامل إزاي. كل حاجة حواليا وقعت، مش قادر أبص في وشهم."
– "خد وقتك يا آدم. الألم هو الطريق الأول للحقيقة. وأنا هنا، مش هسيبك تاني."
أغلق الخط، لكن تلك المكالمة القصيرة كانت كافية لتمنحها إحساسًا بالانتصار لأول مرة منذ ثمانية عشر عامًا.
لم يكن انتصارًا على أحد، بل على الزمن نفسه، على الألم الذي لم يقتلها رغم قسوته.
---
جلست بعد المكالمة تنظر من شرفتها نحو المدينة النائمة.
الأضواء تتلألأ، والسيارات تمر كنجومٍ صغيرة على الأرض.
ابتسمت بخفة وهمست:
> "بدأنا نطلع للنور يا آدم… ولسه الباقي جاي."
كانت تعلم أن المواجهة الحقيقية لم تبدأ بعد، وأن عائلة العدل لن تقف صامتة أمام ما يتهددها من فضيحة،
لكنها هذه المرة لم تكن تلك السجينة الضعيفة،
بل الأم التي عادت من الظل لتسترد ابنها ونورها المسروق.
الجزء الثالث
الشرخ الذي لا يُرمَّم
لم ينم أحد في ذلك البيت الكبير تلك الليلة.
كانت الجدران نفسها كأنها تسمع الصراخ المكتوم في صدورهم.
نورا جلست على طرف السرير، وجهها شاحب، شعرها مبعثر، وعيناها محمرّتان من كثرة البكاء.
أما سامي العدل فكان يتجول في الغرفة المجاورة ذهابًا وإيابًا، يحمل بين يديه الورقة التي وجدها ابنه — تحليل الـDNA — ولا يصدق عينيه.
وقف أمامها أخيرًا، صوته منخفض لكنه يحمل نغمة قاسية:
– "نورا، أنا عايز كلمة واحدة منك. الكلام اللي قاله آدم حقيقي؟"
حاولت التماسك، مسحت دموعها سريعًا وقالت بصوتٍ متردد:
– "سامي، أنا كنت صغيرة، خفت، الدنيا كلها كانت ممكن تتهد فوق راسي… ما كانش قصدي كل ده يوصل لكده."
ضرب بيده على المنضدة بعنفٍ جعله يصرخ لأول مرة في وجهها منذ سنوات:
– "يعني فعلاً سجنتي ست بريئة مكانك؟! والولد اللي ربيته على إني أبوه… مش ابني؟!"
تراجع صوتها، كأنها تبحث عن هواءٍ تتنفسه:
– "كنت حامل… كنت ضعيفة… ما كنتش عارفة أعمل إيه. ليلى كانت شغالة عندنا وقتها، وشافت اللي حصل في الحادثة، وأنا… أنا كنت السبب، غلطة واحدة قلبت حياتي جحيم. قالولي لو دخلت السجن هضيع، وهي اللي كانت البديل."
اقترب منها بخطواتٍ بطيئة، نظر في عينيها طويلاً وقال بمرارة:
– "كنت فاكر نفسي راجل مستقيم، ربّيت ولد مش ابني، على كذبة! كنت بفخر إن بيتي قائم على الصدق، طلع قائم على جريمة!"
– "سامي، اسمعني، أنا كنت بحميك، وبحمي اسم العيلة. ما كنتش عايزة الفضيحة تدمرك."
ضحك ضحكة يائسة، ثم جلس على الكرسي وأمسك رأسه بين يديه:
– "كنتي بتحمي نفسك بس، مشيها زي ما انتي عايزة. بس من النهاردة كل حاجة بينا انتهت. أنا مش قادر أبص في وشك تاني."
حاولت أن تمسك يده، لكنه أبعدها بعنف، وخرج من الغرفة تاركًا الباب مفتوحًا وراءه.
صوت خطواته الثقيلة على الدرج بدا كأنه إعلان انهيار بيتٍ كامل.
---
في الخارج، كان آدم يقف خلف باب الغرفة يستمع إلى كل كلمة.
لم يتعمد التجسس، لكنه لم يستطع الابتعاد.
كل كلمة سمعها كانت كطعنة جديدة في صدره.
حين خرج والده ورآه، توقفت خطوات الرجل للحظة، ثم قال بصوتٍ مبحوح:
– "كنت سامع كل حاجة، مش كده؟"
أومأ آدم برأسه في صمت.
اقترب منه والده، وضع يده على كتفه:
– "أنا آسف يا ابني… آسف لأني ما كنتش أعرف الحقيقة. بس مهما حصل، أنا… أنا اللي ربيتك."
أبعده آدم برفق، ونظر إليه بعينين تملؤهما الدموع:
– "عارف يا بابا… بس كل ده ما يمنعش إن حقيقتي مش هنا. لي أُم تانية كانت بتموت كل يوم وأنا بعيد عنها."
أطرق سامي رأسه في ألم:
– "ما أقدرش ألومك. بس أوعى تسيب نفسك للغضب. خليك عاقل، واجههم بعقلك مش بقلبك."
– "أنا مش هسيب حقي ولا حقها. ليلى دي قضت عمرها كله في السجن بدالي، وأنا مش هسمح إن قصتها تفضل مدفونة."
ثم غادر البيت دون أن ينظر خلفه، تاركًا والده في صمته الموجع.
---
كانت ليلى في تلك اللحظة تجلس داخل مكتب محامي شاب اسمه يوسف بدر، رجل في منتصف الثلاثينيات بوجهٍ هادئ ونظرة ذكية.
استمع إليها بانتباهٍ وهي تروي القصة للمرة الأولى من بدايتها، دون انقطاع.
وعندما انتهت، قال بصوتٍ جاد:
– "القضية دي ممكن تتفتح تاني، بس لازم نلاقي مستندات تثبت التزوير. وجود شهادة ميلاد آدم المزورة وتحليل الـDNA خطوة مهمة جدًا. بس هنحتاج كمان محاضر السجن وأي شاهد من زمان."
أومأت ليلى بثقة:
– "أنا محتفظة بنسخ من بعض الأوراق، وعايزة أعمل كل اللي يلزم. حتى لو كانت الدنيا كلها ضدّي، مش هسكت تاني."
– "تمام، هنبدأ بإخطار النائب العام لإعادة فتح التحقيق. بس لازم تتوقعي إن الطرف التاني عنده نفوذ ومش هيسكت بسهولة."
ابتسمت ليلى بخفوت:
– "اتعودت على الحرب، يا أستاذ يوسف. أنا كنت جوّه السجن ١٨ سنة، يعني عارفة يعني إيه الصبر."
كتب يوسف بعض الملاحظات على الأوراق، ثم نظر إليها بإعجابٍ واضح:
– "إنتِ أقوى مما كنت متخيل."
– "القوة بتطلع لما ميبقاش عندك خيار غيرها."
خرجت من المكتب وهي تشعر بشيء يشبه الانتعاش.
كانت خطواتها هذه المرة واثقة، مرفوعة الرأس.
في داخلها، لم تعد تلك السجينة المقهورة، بل امرأة بدأت حرب استرداد كرامتها.
---
في الطرف الآخر من المدينة، كانت نورا في حالة انهيارٍ تام.
جلست في غرفة مظلمة، تحيط بها أوراق ممزقة وصور قديمة.
كل ما تفكر فيه الآن هو كيف تهرب من الفضيحة القادمة.
رفعت الهاتف واتصلت برقمٍ مجهول، بصوتٍ متوتر:
– "أنا محتاجة مساعدتك… اللي كنت فاكره انتهى، رجع تاني."
جاءها الصوت الرجولي من الطرف الآخر ببرودٍ قاتل:
– "قلتلك زمان إن اللي بيزرع الغلط لازم يحصد الخوف. ليلى خرجت من السجن خلاص، يعني اللعبة خلصت."
صرخت بجنون:
– "أنا دفعتلك عشان تخلصني من الورطة دي! دلوقتي لازم تساعدني."
ضحك بصوتٍ غامض:
– "خلاص، انتهى زمن السيطرة. دلوقتي كل واحد يشيل شيلته."
ثم أغلق الخط، تاركًا نورا تتنفس بصعوبة، كأن العالم كله ينهار حولها.
قامت واقفة، نظرت في المرآة أمامها، فلم تتعرف على وجهها.
امرأة أنهكها الذنب، تاهت بين كذبة أنقذتها وضميرٍ يقتلها ببطء.
همست لنفسها:
> "لازم أسبقهم، لازم أختفي قبل ما كل حاجة تطلع."
بدأت تجمع بعض الأموال والمجوهرات في حقيبة صغيرة،
لكن صوت الباب الخارجي وهو يُفتح بعنف جعلها تتجمد مكانها.
دخل سامي بخطواتٍ غاضبة، وجهه شاحب، عينيه دامعتان، وصوته مخنوق بالغضب:
– "كنتِ ناوية تهربي؟"
حاولت الكلام، لكنه أشار إليها بإصبعه في وجهها:
– "ما تتكلميش! سكوتك أرحم من كذبك. عيشتيني في وهم، ضحّيتي بإنسانة بريئة، وخليتيني راجل أعيش على كذبة سنين!"
– "سامي، سامحني… كل ده عشانك، عشان بيتنا ما ينهارش!"
– "البيت وقع خلاص يا نورا! انهار من يوم ما قررتي تبيعي ضميرك!"
تقدّم نحوها، أمسك الحقيبة من يدها وألقاها أرضًا.
– "مش هتهربي. هتواجهي اللي عملتيه زي ما واجهت الست دي ظلمها."
انفجرت بالبكاء وهي تسقط على الأرض، ودفنت وجهها بين يديها،
بينما غادر الغرفة وهو يغلق الباب بقوة، كأنه يغلق صفحة كاملة من حياته.
---
في المساء، التقى آدم بـ ليلى مرة أخرى في مقهى صغير على ضفة النيل.
كانت عيناه محمرتين من السهر، وصوته متعبًا، لكن فيه صدق لم تعرفه فيه من قبل.
جلس أمامها وقال دون مقدمات:
– "بابا عرف الحقيقة. و… أمي انهارت. كل حاجة في البيت اتقلبت."
نظرت إليه بعينين حانيتين، ووضعت يدها على يده برفق:
– "كل انهيار بيجيب بعده بناء جديد، يا ابني."
ابتسم بمرارة:
– "مش عارف أعيش وسطهم تاني. ولا عارف أرجع عيل صغير محتاج حضن أمه بعد ما كبرت."
– "أنا مش طالبة منك تكون طفل، يا آدم. أنا طالبة بس تكون صادق مع نفسك. لو مش قادر تناديني ماما، كفاني إنك تعرف إني كنت وما زلت أحبك من غير شرط."
أخفض رأسه قليلًا، وصمت للحظة طويلة، ثم رفع عينيه نحوها وقال بهدوءٍ مؤلم:
– "كنت دايمًا حاسس إن في حضن ناقص، ريحة غريبة في البيت، زي ذكرى مش فاكرها. دلوقتي فهمت إنها كانت ذكراك."
ابتسمت ليلى بخفة، ودموعها تنساب ببطء.
– "الذكريات ما بتموتش يا آدم، بتفضل مستخبية لحد ما نفتح بابها تاني."
ظلّا جالسين طويلًا يتحدثان عن أشياء صغيرة: طفولته، أيام الجامعة، ذكريات السجن، الأحلام المؤجلة.
كانت المرة الأولى التي يشعر فيها آدم بالسكينة، وكأن هذا اللقاء أعاد ترتيب قلبه المبعثر.
قبل أن يغادرا، قال لها بصوتٍ ثابت:
– "أنا ناوي أساعدك في القضية. مش بس عشانك، عشان نفسي كمان. لازم الناس تعرف الحقيقة."
أومأت ليلى، نظرتها مزيج من فخرٍ وألمٍ جميل:
– "كنت عارفة إنك ابني من شجاعتك قبل ما أعرف من التحليل."
---
في اليوم التالي، استيقظت المدينة على خبرٍ تناقلته الصحف:
> "إعادة فتح قضية قديمة تخص سيدة سُجنت ظلمًا منذ ثمانية عشر عامًا بتهمة القتل."
كان اسم ليلى حسن يتصدر العناوين، وصورتها وهي خارجة من مكتب النائب العام تملأ مواقع الأخبار.
أما عائلة العدل، فقد أصبحت حديث الناس.
سامي العدل أعلن انسحابه من جميع مناصبه العامة مؤقتًا،
ونورا اختفت عن الأنظار، قيل إنها غادرت البلاد، وقيل إنها تحت الإقامة الجبرية.
لكن في قلب المدينة، بين ضوضاء السيارات وصخب الشائعات،
كانت هناك امرأة تمشي بخطواتٍ هادئة نحو المحكمة،
في يدها ملف صغير، وفي عينيها ضوء امرأة تعلّمت أخيرًا كيف تواجه العالم دون خوف.
> "أنا ما رجعتش من السجن عشان أعيش، أنا رجعت عشان أسترد اسمي."
همست بها ليلى لنفسها وهي تعبر بوابة المحكمة،
وفي مكانٍ بعيد، كان آدم يراقبها من بعيد،
وفي قلبه وعدٌ صامت:
> "مش هسيبك تواجهي لوحدك."
---
