google.com, pub-6802150628270214, DIRECT, f08c47fec0942fa0 رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل العشرون
أخر الاخبار

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل العشرون

ايفلين 

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا الفصل العشرون

رواية ايفلين بقلم اسماء ندا 
 الفصل العشرون 
(ايفلين)

"إيه ده؟ بتهزر أكيد!"

يا دوب الكلمة طلعت من بقي، وكورماك فتح باب العربية ومد إيده ليا، وأنا بامد إيدي ناحية شنطتي الصغيرة اللي كانت محطوطة عند رجلي، دييل كان سبقني بخطوة وطلعها من الناحية التانية، مسكت إيد كورماك وسبته يسندني وأنا نازلة من العربية، أول ما رجلي لمست أرض المطار، قلبي بدأ يدق بسرعة جنونية.

على بعد كام خطوة، كانت واقفة طيارة نفاثة سودة تحفة، متزوقة بحبر دهبي على جناحاتها، مخليها تبان زي فراشة دهبية. والشمس طالعة من فوق، عاملة لمعة خفيفة على أرض المطار، أنا مسكت إيد كورماك جامد، لما دييل قالي إن كورماك هياخدني مكان آمن، أنا افتكرته هيوديني فندق.

"ايه " كورماك سأل ببراءة. "إنتِ عمرك ما ركبتي طيارة نفاثة قبل كده؟" 

زقيته بالراحة وإحنا ماشيين ناحية الطيارة وقلت  "أنت عارف إني عمري ما عملت كده، أنا حتى ما عنديش باسبور!" كورماك رد: "مش لازم. إحنا مش هنسافر بره البلد."

"طيب هنروح مكان قريب بالعربية؟ عشان ده شكله مشوار كبير أوي لو إحنا رايحين آخر الدنيا."

كورماك ضحك بخفوت، وهو مبسوط وإحنا وصلنا لتحت السلم بتاع الطيارة. "لا يا إيفي، أوعدك إننا مش هنروح آخر الدنيا، ممكن تتفضلي تدخلي بقى؟"

لساني سكت وأنا بناقش خطر الطلوع على الطيارة دي مع كورماك وفريقه - عيلته؟ مستحيل يكون أخطر من الكام أسبوع اللي فاتوا، وهكدب لو قلت إني ما كنتش متحمسة، طيارة خاصة فجأة خلت كل الدراما دي ليها طعم.

"طيب، بس اعرف إن المناصر للبيئة اللي جوايا بيحتج." 

"بلا احتجاج." كورماك زاح دراعه على جنب ورجع خطوة لورا، وسابني أطلع السلم براحتي، فضلت ماشية بالراحة، واخدة بالي كويس أوي إزاي أبسط حركة ممكن تشد عضلات بطني، وبالتالي الغرز بتاعتي، الواحد عمره ما بياخد باله إزاي كل حاجة متوصلة ببعضها غير لما حاجة توجعه.

الوجع بيختفي أول ما طلعت الطيارة، وجمالها خطف أنفاسي، الكراسي الكبيرة الكريمي مريحة أوي مهما كانت الرحلة طويلة، كل كرسي فيه ترابيزة خاصة بيه، والكوبايات محطوطة ومتثبتة بأستك، الستاير السودة اللامعة بتبرق لي وأنا ماشية بالراحة على السجادة الدهبية الفخمة، الخشب الغامق ماشي بموازاة عيني وأنا ماشية، وباصة بخطفة على شنطتي وهي بتختفي ورا شريحة كده ودييل بيخبيها.

"يا إلهي،" اتنفست كده، ولفيت وشي ناحية كورماك،  كان باصص لي باهتمام. "دي بتاعتك؟" 

"أيوة."

هزيت راسي. "أنا مش متخيلة حتى إني أملك المبلغ ده من الفلوس."

"دي مش حتى الطيارة النفاثة الغالية أوي."

"أنت عندك كام واحدة؟"

كورماك مسك كتفي بالراحة وقلع الجاكت من على كتفي وهو بيقول

"أربعة."

"أربعة؟" عيني وسعت. "ممكن تتبرع لواحدة محتاجة؟"

كورماك ضحك بخفوت، ورمى الجاكت بتاعي على واحد من الكراسي وبعدين شاور لي أقعد.

 "إنتِ عايزة طيارة خاصة؟"

"لو كان معايا فلوس، لأخدت الأربعة وأنا مغمضة"قلت وأنا بقعد  في الكرسي لا انا كنت بغرق فيه، كان الإحساس كأني بريح جسمى  على سحابة، وبعدين بغوص فيها لحد ما حسيت إن كل حتة في جسمي متسندة تمام التمام.

 "زي ما أنت عارف، دي مجازفة كبيرة إني أركب طيارة مع واحد يا دوب أعرفه."

"ده تذمر اللي أنا سامعه ده؟" كورماك سأل وهو بيقعد على الكرسي اللي جنبي.

"ممكن"، قلت وأنا مغمضة عيني في سعادة. "ممكن ببساطة... تراضيني."

"التراضي حلو"، كورماك رد. "ده غير إن ده مش أكتر إثارة؟ ما فيش حاجة ماسكاكي، ليه ما تستمتعيش بشوية رفاهية مجنونة؟"

فتحت عين واحدة وشفت دييل وهو معدي وبيحط كاس ويسكي على ترابيزة كورماك، حط لي مية فوارة في كاسي وغمز لي - هي فوارة، فلو شربتها من الكاس الفخم ده هتديني نفس الإحساس من غير ما أبوظ دوايا.

"أنا عندي حاجات ماسكاني" فتحت غطا المية وصبّيتها في كاس الشمبانيا الفخم، وبين ما السلم بيتسحب والباب بيتقفل بصوت همس خفيف.

"زي إيه؟" كورماك سأل.

"أمي، وشغلي"

"أنتِ خسرتي شغلك." كورماك بص لي بثبات من فوق طرف كاسه.

"يا دوب أعرفك"

سكت وأنا والكاس في نص المسافة لبقي وبعدين قلت  "إنت عرفت إزاي إني خسرت شغلي؟"

لأول مرة من ساعة ما اتقابلنا، كورماك شكله بقى محرج شوية، عينيه لمعت وبعدين ابتسامة خفيفة ظهرت على شفايفه. 

"كنت براقبك"

"بالظبط كده،" سخرت. "فيه ناس بتسمي ده تتبع"

"ده اللي بتسميه؟"

"ما اعرفش" حتى المية كانت أنقى وأنضف مية شربتها في حياتي، والبوقين بقوا كام بوق كأني لسه جاية من الصحرا.

"أنا قلت لك إني براقبك، فالموضوع مش المفروض يكون صادم."

"قصدك دييل اللي كان واقف بره شقتي؟"

"من ضمن حاجات تانية."

"تانية؟" اتحركت في مكاني، ورفعت رجل على صدري. "كنت بتنصت على تليفوني زي الأفلام؟"

كورماك ما ردش.

"يا لهوى  أنت عملتها!"

مرة تانية، الابتسامة الخفيفة دي ظهرت على شفايفه، عمري ما شفته بيبتسم كده حتى ضحكته كانت زي نفس هوا أكتر منها رقة بجد وقال 

 "أنا باحمي ممتلكاتي."

"ده جنون، أنا ما كانش المفروض أكون على الطيارة دي،" بهزر. "أنا محتاجة تليفون جديد"

"هتستني لحد ما نهبط"

وإحنا بنتكلم، الطيارة بطريقة ما أقلعت من غير ما اخد بالي، لفيت عشان أبص من الشباك، لقيت قدامي غيوم بيضة رقيقة، وسما زرقا مالهاش آخر، والمدينة مفرودة زي لعبة عروسة، المنظر كان يخطف القلب، فحسيت بغثيان خفيف يمكن كان لازم أقول له إني عمري ما سافرت بالطيارة قبل كده، هدوء مواتير الطيارة بيدل على فخامتها، وما حسيتش حتى وإحنا بنسيب المدرج.

"الله" همست "ده مش ممكن يكون حقيقي، الطيارة؟ المنظر؟ كل ده،" قلت بهدوء. "إزاي دي تبقى حياتي؟ تستاهل إني أتطعن عشانها؟"

لفيت وشي ناحية كورماك وضحكت وكملت "كام مرة اطعن قبل ما تديني الطيارة؟"

الرحلة كانت سلسه وبعد ما شربت المية، حسيت بثقة تخليني أقوم وأتمشى، كان إحساس غريب إني بتحرك وأنا على بعد آلاف الأميال في السما، بقية الطيارة تحفة زي مقدمتها بالظبط، ودييل وراني خزانة المشروبات المتكاملة، وتلاجة مليانة أكل، وحتى نظام ترفيه فيه كل لعبة أو فيلم ممكن أفكر فيه، دييل قالي إنه هينبهني قبل ما نهبط، ولقيت نفسي باتمنى إننا ما نهبطش أبداً.

الفقاعة الصغيرة دي من الرفاهية بتديني نفس إحساس المصاريف الكتير على كروت الائتمان، مع مكافأة إني عارفة إني مش هدفع حاجة في الآخر، بعد الاستكشاف، رجعت مكاني لقيت كورماك غرقان في اللاب توب بتاعه، حسيت برغبة غريبة في صدري وأنا باصه عليه، عايزاه يبص لي ويديني اهتمامه، لسوء الحظ، كان مركز أوي في اللي بيبص عليه، فجربت بجرأة تكتيك جديد.

"دييل؟"

"نعم يا سيدتي؟"

"بتحسسني إني عجوزة أوي لما بتقول كده"

"ده من باب الاحترام بس، أوعدك."

"ممكن تختفي؟"

دييل بص لي باستغراب في عينيه، بس لما حركت حاجبي، شكله فهم التلميح في ساعتها، بابتسامة صغيرة وهزة راس، وقف.

 "لازم أتطمن على الطيار"

"فكرة كويسة"

كورماك شكله ما خدش باله من كل ده، وما رفعش راسه وإحنا ودييل عدينا ناحية كابينة القيادة، وبعدين اختفى ورا باب الأمان،

(تمام أوي) اديته كام دقيقة احتياطي، ويا حظي، حصلت مشكلة مع الطيار، وبعدين قمت ودخلت الممر، بحركة واحدة، قفلت لاب توب كورماك وقعدت في حضنه وهو بيرفع عينه بعبوس جامد على جبينه.

"إيفلين."

"أوه،" مازحته وأنا بدوس بأطراف صوابعي على صدره. "مش إيفي دي المرة؟"

"أنا باشتغل."

"ولازم تبص لي."

عينيه بتتنقل من عيني لجسمي، وبعدين بترجع تاني. "إنتِ بتقولي إنك عايزة تلفتي انتباهي؟"

"لازم أشرح لك؟" ما اعرفش ده بسبب العجايب اللي عملها إمبارح  ولا بسبب حماس الطيارة والهوا الفخم اللي حواليا، وجودي في حضن كورماك بيحسسني بإثارة. 

"ممكن،" كورماك رد. 

"أوه، بجد؟" ضحكت ضحكة خفيفة، مستمتعة. "طيب ماشي."

في الآخر نمت وأنا متكوّرة على الكرسي، وصحيت آخر النهار على شمس دافية بتندس من الشبابيك وبطانية متغطية على كتفي، رمشت وعطست بتثاؤب، وبعدين قعدت أشوف كورماك بيقوم من مكانه.

"وصلنا،" قال ومد لي إيده.

"فين هنا؟" سألت وأنا ماسكة إيده وبادعك عيني عشان النوم يروح.

كورماك سندني وأنا ماشية في الطيارة، وبعدين زقني قدامه لما وصلنا للباب، بصيت بدهشة في نور الشمس وطلعت على أول درجة، وبعدين وقفت.

كان فيه أرض ممتدة حواليا لأميال، وشفت خضرة عمري ما شفت زيها في حياتي، أميال من الغابات محاوطة بحقول مالهاش عدد من الزرع والحيوانات، وبعيد شوية فيه بيت مزرعة ضخم بيلمع بلون الكهرمان وقت الغروب.

شميت الهوا، وريتي اتلسعت لسعة جامدة من الهوا النضيف البارد، وبعدها شميت روايح كتير، يا دوب عرفت أميزها وأنا باحاول استوعب كل منظر حلو قدامي.

"إحنا فين؟" سألت لما إيد كورماك الدافية ضغطت على ضهري من تحت.

"البيت."

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-