ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصل الحادي والعشرون
فيه شعور حلو أوي بالدهشة مرسوم على وش إيفلين وهي نازلة من الطيارة وبتتأمل جمال مزرعة العائلة، المزرعة دي بتاعتنا من زمان أوي، وهي حتة من مزارع أيرلندا، وده المكان الوحيد في العالم اللي عارفة إنه أمان ليا.
الرجوع هنا بعد الغيبة الطويلة دي جاي مع شوية متاعب مش متوقعة، محتاجة أشوف أمي، بس مش مستعدة أواجهها، الوجع اللي أكيد هشوفه في عينيها هيصعب عليا أوي إني أسيطر على نفسي.
علشان كده، اخترت أركز على إيفلين، مسكت إيديها جامد وإحنا ماشيين من المطار، بعد ما هى رفضت عرض إننا نركب عربية ونروح بيها لبيت المزرعة، بدل كده، هي كانت عايزة تتمشى في الهوا وتستمتع بكل حاجة حواليها، فبقيت جنبها، عدينا على حقول فيها محاصيل لسه مزروعة، مع إني ما عرفتش أقولها إيه نوع المحصول،لان فات وقت طويل أوي من ساعة ما كنت جزء من شغل الزراع، في الحقول اللي بعدها، كان فيه شوية بقر وخيل خلوا عينين إيفلين توسع من الدهشة، لدرجة إن عينيها ما نزلتش من عليهم، وضحكت لما بقرة جريت ناحية الحقل عشان تسلم علينا عند السور.
كان كسوفها وهي بتمُد ايديها عشان تداعب بُق البقرة لطيف أوي زي فرحتها وهي أخيرًا بتمُد ايديها عشان تدلك مناخير البقرة، النهاردة مليان حاجات أول مرة تحصل ليها، على ما وصلنا لبيت المزرعة، كانت الشمس قلبت الدنيا كلها للون برتقالي دافي ومحروق، وكان دييل وصل الشنط بتاعتنا الأوض و مع ذلك، ما كانتش أمي باينة، فعلشان كده مهما كنت بتمنى اني اهرب وارمى نفسي على السرير، كنت عارفة إني لازم أسلم عليها.
قرب الليل، فضلت إيفلين جنبي، بتبص بإنبهار حواليها وإحنا ماشيين ناحية أقرب زريبة، في الوقت المتأخر ده من الليل، مفيش غير مكان واحد أعتقد إن أمي هتكون فيه، ونبرة صوتها الحادة طلعت في الهوا أول ما فتحت الباب.
"ويسكر! انزل من على أختك! لا تفتكرش إني مش هطردك للقن التاني يا فار يا صغير!"
ردت عليها موجة من الصراخ، وبعدها صوت بذور متناثرة بتخبط في الأرض، فجأة، راحة إيدي بقت رطبة، وهدوء قلبي زاد شوية، عدينا على الأرض اللي متغطية بالقش، وإيفلين شدت على إيدي، وبعدين لفينا حوالين الحيطة الأخيرة، فظهرت أمي، لابسة بنطلون جينز وقميص كاروهات، وشعرها الأحمر مربوط كعكة فوق راسها، فيه كذا فرخة بتجري عند رجليها، وبتستخدم جزمتها ساعات عشان تزق كام واحدة من الفراخ اللي صوتها عالي. تحت دراعها سلة، بتاخد منها حبة بذور، وبعدين بتنثرها على الفراخ اللي بتصوت، اتنرفزت وقالت
" انتم طماعين يا جماعة!".
"أهلاً يا أمي!"
اتجمدت في مكانها، وبعدين لفت فجأة لدرجة إن موجة من البذور طارت من السلة، الفراخ جريت على الأكل الزيادة وأمي بتبص عليا بصدمة واضحة على وشها، رمشت، وعينيها لمعت وقالت بحدة
"كورماك!". "إنت اتأخرت أوي، افتكرت إنك مش هتيجي!"
"آسف يا أمي."
رمت السلة على جنب، وبعدين جريت عليا بسرعة رهيبة بالنسبة لواحدة قصيرة كده، أول ما وصلت ليا، مسكت ياقة قميصي وشدتني ليها في حضن جامد أوي، لدرجة إني مستغرب إني عارفة أتنفس.
"تعال هنا يا ضخم،" همست، والعاطفة مالية صوتها.
"اتاخرت اوى على رجوعك البيت "
رديت عليها "معلش ماما، اتأخرت أوي، إنتي عارفة الدنيا عاملة إزاي."
للحظة، حسيت إني عندي اتناشر سنة تاني، بدفن نفسي في شعر أمي بعد يوم مذاكرة متعب، أو بستخبى بين دراعاتها بعد كابوس، مهما كبرت أو الدنيا بقت ضلمة، هي السند بتاعي في الحياة، حضنتها بدراعاتي جامد أوي، ولحظة طويلة ما سمعتش غير صوت نقر الفراخ التخينة وهي بتاكل وصوت الزريبة اللي بيزيق كل شوية.
"طيب، خليني أشوفك كده"
زقتني لورا وحطت ايديها على قميصي، وبصتلي بنظرة فاحصة وقال
"بتاكل كويس؟ بتشرب مية كفاية؟"
"أيوة يا ماما"
"متزعلش مني لو كنت بتكدب……"
"مش بكدب"
"كويس." وهي مبسوطة، لفت ناحية إيفلين اللي كانت عاملة زي الغزالة قدام نور العربية
"ومين دي؟"
"أمي، دي إيفلين، يا إيفي، دي أمي، كلوداغ"
"أنا سعيدة بمقابلتك يا ست كلوداغ"
قالت إيفلين بصوتها الهادي، مدت إيديها تسلم عليها، وبعدين رفعت حواجبها لحد شعرها لما أمي ضربت إيديها بعيد وجذبتها ناحيتها عشان تحضنها.
"مفيش الكلام الفارغ ده هنا" قالت بضحكة خفيفة "وقوليلي يا ماما، أنا فرحانة إني قابلتك! كنت فاكرة إني هموت واندفن قبل ما كورماك يجيب بنت للبيت"
كان نفسي أصلح لها المعلومة، بس لما وش إيفلين احمر من الكسوف ووطت راسها، فضلت إني ما أعملش كده، الظروف غريبة، أقل ما يتقال، بس إني أعتبر إيفلين بنتي، ولو لوقت قصير، ده شيء رائع.
"أنا كمان سعيدة بمقابلتك"
ضحكت إيفلين ضحكة خفيفة، وخدودها احمرت لما الحضن خلص ، كانت باينة عليها الدهشة من استقبالها الحار ده، وأنا افتكرت للحظة مكالمتها التليفونية مع مامتها.
"بص لنفسك، إمتى آخر مرة أكلت أكلة حلوة، ها؟" سألتني أمي وهي بتبص على إيفلين.
" هى اطعنت،" قولت لامى بفكرها أمي"علشان كده خليكي حريصة"
"أنا دايماً حريصة،" قالت أمي بحدة، وهي بتغمز لإيفلين.
وكملت "متخافيش يا حبيبتي، مفيش حد هنا ماتطنش في ظهره."
"مش ده صحيح؟" ضحكت بسخرية وأنا مبسوطة.
"على العموم..." أمي وطت وجابت سلة البيض اللي وقعت، وفركت جبينها وهي بتبص على آخر شوية بذور واقعة وهما بيتاكلوا.
"الفراخ دي عليها لعنة، من الاحسن الاقى بيض زيادة بكرة!"
وهي شايلة السلة في إيديها، بدأت تاخدني وتخرج من الزريبة.
"كورماك، سويرس قالتلي إنك قابلت العرابة."
"أيوة."
"وبعدين ؟"
كشرت وقلت "الأمور مش ماشية كويس."
"هي ما كانتش ماشية كويس من ساعة..." سكتت، مش قادرة تنطق اسم بريندن، برا الزريبة، خدت نفس عميق، ولما لفت عليا، رجعت ابتسامتها المنورة وقالت
"هنحتفل الليلة عشان عندنا ضيفة مميزة، علشان كده اتأكد إن ريحة الطيارة الوحشة دي راحت منك قبل ما تيجي تتعشي.، وإنتي كمان يا حبيبتي."
وبغمزة لإيفلين، أمي لفت ومشيت ناحية بيت المزرعة بسرعة رهيبة.
"واو،" إيفلين اتنفست "والدتك جميلة ."
"أيوة." هزيت راسي. "دي حقيقة."
"افتكرت إنها هتزعقلي في الأول."
إيفلين ضحكت ضحكة محرجة، وحطت إيديها على خدودها اللي سخنت. وكملت "كان الموضوع مخيف شوية."
رديت عليها: "دي أجدع وأطيب حد هتقابليه في حياتك، كانت بتأكل الأعداء أكلة كويسة قبل ما تقتلهم علشان محدش يقول عليها إنها مش بتعرف تستضيف"
"واو." إيفلين هزت راسها بإنبهار "طب ووالدك؟" بصت حواليها كأنها مستنية راجل أيرلندي يطلع من الأرض ويعرف نفسه. "يا ترى هو مخيف زيها كده؟"
"كان كده،" قلت بهدوء.
"كان كده؟" إيفلين لفت ناحيتي، وعينيها وسعت. "أوه، هو...؟ أنا آسفة أوي."
"مفيش حاجة من دي،" طمنتها، وبعدين مديت لها كوعي. "هو مش ميت."
"أوه." إيفلين عدت إيديها على دراعي. "يبقى هو…"
"هو في أيرلندا،" قلت، وكنت بتجاهل نبرة الحزن اللي بتجيلي لما بفكر فيه، إحنا فقدناه من كام سنة بسبب مرض الزهايمر، كان سريع أوي، صعب الواحد يصدق، حاولنا نعمل كل حاجة عشان نهدي، حتى رجعناه بلده على أمل إن قلبه يرتاح، ده هداه، بس مش بالطريقة اللي كنا بنتمناها، أعتقد إننا كلنا افتكرنا إنه أول ما يرجع لأرض أجداده الأيرلندية، هيفتكرنا وهيخف، بس بدل كده، هو مبسوط وتايه"
"آه، يا كورماك." صوت إيفلين كان ناعم. "أنا آسفة أوي، ده فظيع."
"كان الموضوع صعب، بس..." ضغطت على فكي وطبطبت على إيديها. "مفيش حاجة ممكن نعملها."
"عمري ما تخيلت إن حد زيك يكبر في مكان زي ده،" قالت بهدوء، وهي بتغير الموضوع وإحنا ماشيين ناحية البيت.
"إيه، مفيش فانيليا كفاية؟"
"لأ." إيفلين ضحكت. "ده بس... كل الهوا النضيف ده والحيوانات والطبيعة وكل حاجة، شكلك عامل زي ما تكون منحوت من حجر المدينة، ده كل الموضوع."
"طيب، السماد ده واجهة جامدة أوي عشان ننقل أسلحة عبر المية الدولية،" هزرت، وإيفلين ضحكت بصوت عالي.
"مش عارفة إنتي بتتكلم بجد ولا لأ."
"محدش عايز ينبش في الزبالة، ده كل اللي بقوله،" رديت، وسبتها مستغربة.
ضحكتها دي بعدت الوجع اللي في قلبي، فركزت على وشها المبتسم السعيد، وضغطت على إيديها لحظة. رغم كل حاجة، لسه دمها خفيف، وده بيريح قلبي.
"كفاية كده بقى، عندك لحمة لسه هتقطعيها."
"إيه؟" إيفلين وقفت مكانها. "قدام الناس كلها؟"
"أيوة. أخاف يكون فيه قوانين للبيت، الضيوف هما اللي بيقطعوا. يلا، الموضوع مش هيكون وحش أوي."