ايفلين
رواية ايفلين بقلم اسماء ندا
الفصول ١٤ و ١٥
الرابع عشر
(من وجهة نظر ايفلين)
جلست ايفلين على الارض تكلم نفسها ، يلهوي، اللى بيحصل ده زى سلسلة من فيلم رعب على طريقة "ثمانية وأربعين ساعة" بس بالبطيء!
حياتي اتقلبت كيانها، خلاص مبقاش فيه أمل، عايزة 250 ألف دولار في يومين بالظبط! بنك إيه اللي هيسلفني المبلغ ده؟ ولو حتى وافقوا، هرجع لنقطة الصفر تاني، وأمي الغلبانة، دي مبتشوفش السرير غير بالعافية.
فاكرة لما هاري الكلب ده كان هنا؟ قعد يقلب الشقة كلها، كأنه بيدور على كنز، عشان يتأكد إني مش مخبية فلوس. وصل بيه الحقارة إنه خلاني أقلع هدومي حتة حتة عشان يتأكد إني مش لابسة أي حاجة ممكن أبيعها، وبعدين مشي زي ما جه، كأنه عفريت!
بعد الصدمة الأولانية دي، افتكرت زجاجة نبيذ غالية كنت شايلاها تحت الحوض، أمي كانت جايباها ليا هدية النجاح، وقالتلي متفتحيهاش غير ليلة فرحي، في دماغها بقى، كنت هتجوز بعد ست شهور من التخرج، بس اهي السنين جريت وأنا لسه سنجل، والزجاجة مركونة.
دلوقتي بقى، وقدري متعلق في 48 ساعة، قلت لنفسي: "ليه أستنى؟"
فتحت الزجاجة، ودخلت الصالة، وشفت وشي في المراية اللي قصادي. هاري ابن الـ... ضربني كام مرة لغاية ما حواجبي اتفتحت، وخدي ورم ووجعني، طفيت النور، الدنيا ضلمت حواليا، وأنا وقعت على الأرض بين الكنبة والترابيزة.
أول بق من النبيذ كان مسكر وتقيل، باين عليه نبيذ نضيف، تاني بق جاب معاه دموع اليأس، وأنا باصة في ضلمة شقتي، حسيت بتقل الهزيمة في قلبي.
إيه اللي وصل حياتي لكده؟ مش كفاية مصايب الأيرلنديين، كمان غلطاتي مع الكريديت كارد والمرابين وصلوني لحافة الموت. وأنا صغيرة كنت بتخيل حياتي وأنا كبيرة حاجة تانية خالص، شغلانة جامدة، وبيت، وقطتين بيجروا وأنا برقص مع اللي بحبه.
برود أمي و موت أبويا هما اللي خلوني أبعد عن الطريق الصح، مع إني عارفة إنه سهل أوي أرمي اللوم عليهم في الضلمة اللي أنا فيها دي، دورت على الراحة في الفلوس والماديات، ودلوقتي بدفع التمن غالي.
الدموع نزلت على خدي بالبطيء وأنا بعيط بصوت واطي، وبشرب بق من النبيذ كل ما نفسي يتقطع، دماغي بتحاول بالعافية تلاقي حل، بس مفيش أي حاجة منطقية، في الضلمة، فتحت جوجل أدور ازاي أبيع كليتي، وممكن أكسب كام من التبرع بالدم أو البلازما بيع نفسي هو اللي فاضلي.
للأسف، مفيش ولا حل من دول هيجيب الـ 250 ألف دولار في يومين, اليأس غرقني زي موجة بتخنق، يا ترى أعمل إيه في المصيبة دي؟
بعد نص الزجاجة، دماغي رجعت لكورماك. لو كنت فضلت معاه، مكنش هاري عرف يوصللي، كان زمانه جه هنا، وخبط على الباب برجله، ومكنش هيلاقي أي حاجة. بتخيل السيناريو في دماغي، وبعدين بحاول أتخيل واحد زي كورماك هيتصرف ازاي مع هاري. الطريقة اللي انفجر بيها في وش ديلون كانت جنان، يا ترى كان هيعملها تاني؟ ولا ديلون كان هدف سهل عشان كنا في الفندق؟
ده مجرد كلام فاضي، وبحثي على جوجل بدأ يتجه لحاجات أسوأ، زي كام ممكن أكسب لو اشتغلت... في يومين. مفيش أي حاجة بتقرب من اللي محتاجاه، حتى لو عملت نفسي مش فارقة معايا حاجة، أنا هموت بجد…
فجأة، صوت انفجار جامد هز شقتي، وبعديه صوت دوشة عالية، وبعدين، باب الصالة اتفتح بقوة لدرجة إنه خبط في الحيطة ورجع تاني على اللي فتحه، صرخت، واتخضيت على الكنبة، وبدأت أرفس الترابيزة برجلي كأني ممكن أستخدمها عشان أمنع أي حد يقرب.
رفع الدخيل دراعه التخين، ومسك الباب قبل ما يخبط في الحيطة اللي وراه، وبعدين خطى خطوة كمان لجوه شقتي.
حتى في الضلمة، مفيش غير نور الشارع اللي داخل من الستاير ومنور الأوضة، عرفته، قلبي دق بسرعة جامدة في صدري، ومسكت في إزازة النبيذ اللي فاضل فيها شوية، وبصيت للراجل ده اللي كان بينهج، ومتغاظ زي الخزان.
"كـ.. كورماك؟" طلعت الكلمة بالعافية من بقي. "إيه... إيه اللي بتعمله هنا؟"
"كان لازم أعرف إن فيه حاجة مش مظبوطة في حكايتك،"
كورماك زعق بحدة صوته كان مبحوح من الغضب، وده خلى كلامه فيه لكنة أيرلندية حادة
"بالصدفة، كنت أنت اللي لاقي بريندن، مش كده؟ وبعدين الشرطة عايزة تتكلم معاك في القسم بدل ما يسيبوك تمشي من الفندق، كل ده كان جزء من الخطة؟ كنت بتأمل إني أجيبك عشان تقرب وتعرف إيه اللي نعرفه؟"
كأن كورماك بيتكلم بلغة تانية خالص، كلامه مكنش منطقي. النبيذ كان مديني جرأة، فقمت وقفة جامدة.
"إيه؟" صرخت رديت عليه. "بتحكي عن إيه بالظبط؟"
"أنت!" كورماك شاور عليا بقبضة إيده المتينة. "مكنتش فاكر إني هكتشف،كنت فاكر إني عبيط، مش كده؟ الراجل الضخم اللي عنده عضلات ميعرفش يفكر؟"
فتحت بقي وقفلته، ولحظة كده، فهمت إن فيه ناس تانية في شقتي بيتحركوا في الضلمة ورا كورماك، عينيه لمعت عليا زي سن سيف، وقلبي دق بسرعة وأفكاري مبقتش عارفة تلاحقه. الغريب إن كل اللي مركزة فيه هو الخراب اللي حصل في حيطتي.
"أنتَ... إيه؟" هزيت راسي عشان أطرد دوخة الخمرة من دماغي. "استنى، إيه المصيبة دي؟"
"كنت واطي، ها؟" كورماك قرب. "جاسوس؟ يا بتوع روسيا فاكرين نفسكم أذكيا أوي، بس أقولك حاجة، مش هغمض عيني لو عرفت إن ليكوا إيد في قتل بريندن، سامعني؟"
"روس؟" مش مصدقة اللي بسمعه، كل ده سريالي لدرجة إني بدأت أشك إني صاحية بجد، الغضب حل محل الخوف، ولوحت بإزازة النبيذ اللي فاضل فيها شوية زي السلاح. "أنا مش روسية! أنا أمريكية!" "مكان الميلاد مش بيحدد الولاء،" كورماك زمجر.
"ولاء؟" موجة غضب مفاجئة ولعت في صدري، حرقت تراب السكر، وخلتني أشوف بوضوح لأول مرة طول الليل.
"لأ! تعرف إيه؟ طز فيك، طز فيك عشان اقتحمت شقتي كأنك صاحب المكان وبتبوظ كل حاجة بتاعتي، طز فيك عشان بترمي عليا كل الاتهامات دي من غير ما تكلمني الأول، أنت مجنون؟ في يوم تاني، يمكن كنت هسامحك على زعلك، بس بص عملت إيه في حيطتي!".
وشاورت بإيدي على الشرخ الواضح أوي في الحيطة، اللي نور واحد وهو بيولع نور مطبخي كان منوره.
"أنا مش روسية، ومكنش ليا أي علاقة بأخوك، معرفش إيه اللي بتعمله، بس يمكن لازم تغير تجار المخدرات بتوعك لو ده اللي بيخليك تهلوس، يعني، بص حواليك يا كورماك! أنا مجرد أنا، تمام؟ أنا مجرد ست عادية اشتغلت في شغلانة عادية زفت، وكنت بحاول أتجنب راجل عادي زفت، وفجأة، دخلت حياتي وبوظت كل حاجة، أغلب الناس متتخطفش بعد ما يشوفوا جريمة، بس أنت وجهت مسدس في وشي وخليتني أعمل جريمة زفت، عشان كلكم عايشين في العالم المجنون ده اللي الجريمة فيه زي قهوة ستاربكس الزفت، ومفكرتوش ولو مرة إن ده ممكن يكون حاجة وحشة، وبعدين رميتوني بعد ما خلصتوا مني، ورجعتوني للعالم كده، ولازم أحاول أفتكر إزاي أكون بني آدمة عادية، بس أنا مبقتش بني آدمة عادية! أنا شاهدة ومجرمة وضحية خطف، ودلوقتي أنت في شقتي الزفت بتبوظ حاجتي، ليه؟ إيه السبب الزفت المرة دي؟"
كنت بنهج جامد لما سكتت عن الكلام الكتير اللي مكنش مدي لكورماك أي فرصة يرد، مش عشان هو يستاهل كده، أنا زهقت من المهزلة دي، زهقت من الناس اللي بتقتحم بيتي ومساحتي، وبتتصرف كأني مديونة لهم بكل حاجة وأنا كل اللي بحاول أعمله إني أعيش.
أكبر جريمة عملتها هي ديون الكريديت كارد، ده كل الموضوع، ده كل اللي عملته، وده ميستاهلش إن ديلون يحاول يقلعني بنطلوني بالعافية، ولا إن هاري يهدد حياتي، وبالتأكيد مش كورماك ورجالته دلوقتي وهما بيفتشوا شقتي اللي اتبهدلت.
"متكدبيش عليا،" كورماك زعق ردًا على كلامي، وصوته كان أخوف من صوتي وأنا بزعق. "أنتِ اتشفتي، تمام؟ كان عندك روسي في بيتك، وبعدها بوقت قليل سمحتلك تمشي. الموضوع فيه ريبة شوية، مش كده؟"
"روسي؟" مش مصدقة وداني. أنا إيه اللي يعرفني مين روسي ومين مش روسي؟ عايزني أسأل كل ساعي بريد بيجيلي لغاية الباب عشان أتأكد إنه مش تبع أي عصابة، مش كده؟ وساعتها-"
خطر في بالي فجأة إنه لو عارف إن فيه حد كان هنا، يبقى أكيد كان بيراقبني
"أنت بتلاحقني؟ إزاي عرفت مين دخل بيتي ومين مدخلش؟"
"هاري فوكس،" كورماك قرأ الاسم، وحسيت بغصة في معدتي كأني لسه واقعة من على جرف. "افتكرت اسمي؟"
"لو كنت بدأت بكده،" قلت بحدة، "بدل ما تدمر شقتي.
إيه الصوت ده أصلًا؟ أنت اللي رفست بابي الأمامي يا مجنون؟"
كورماك قرب، بس أنا تماسكت، ومسكت في الغضب الجديد ده اللي جوايا، كل حاجة من الأسبوع اللي فات بتتراكم، وده أكتر من اللي ممكن أستحمله، من الفندق لكورماك لفقدان شغلي لهاري، المفروض أعمل إيه غير كده؟
"مكنتش عايز أديكي فرصة تهربي."
"أهرب؟" ضحكت ضحكة مفيهاش أي هزار. "أهرب أروح فين بالظبط؟ لو أنت بتلاحقني، يبقى لازم تعرف إنه معنديش مكان ولا أي حاجة! أنا مش جاسوسة، سامعني؟ وهاري، معرفش إيه هو ولا إيه مش هو، تمام؟ ده مجرد راجل لازم أتعامل معاه، وراجل زنّان أوي."
"مستني مني أصدق إنه بعد خمس أيام من موت أخويا، عامله علاقة مع واحد متخانق معاه من روسيا، وده مجرد صدفة؟"
موجة غضب جت عليا من نبرة كورماك الاتهامية، غرقتني من جوايا، وفجأة، مبقتش عارفة أتنفس، الرغبة في الانفعال كانت قوية أوي، فلفيت ورميت إزازة النبيذ على الحيطة اللي قصادي.
"ابعد عن الهبل ده!" صرخت فيه بغضب. "معرفش أنت بتتكلم عن إيه، تمام؟ أنا بس بحاول ألملم اللي اتبقى من حياتي بعد ما بوظتها أنت وأخوك، تمام؟ تعرف إيه؟
فتش شقتي زي ما أنت عايز، قطع الزفت ده، كلم أمي لو اضطريت، معنديش حاجة أخبيها، أنا معنديش حاجة أصلًا! أنا مجرد أنا، بس مش مضطرة أقف هنا وأشرحلك نفسي في بيتي الزفت ده!"
الزعيق ريحني أوي، كان أحسن من العياط، وبالرغم من إني كنت بنهج بعد كده، حسيت براحة غريبة ملت كتفي، غصبت نفسي أخد نفس عميق وحبسته وكورماك بيبصلي وسط السكون ده. "أنا مجرد أنا،" كررت بتعب. "اعمل اللي أنت عايزه. مش هتلاقي اللي في بالك هنا."
لفيت حوالين الترابيزة وزقيت كورماك، ورايحة ناحية المطبخ
عارفة إنه مفيش كحول تاني، بس فيه مية، وفجأة حسيت بعطش جامد.
كورماك مشي ورايا، خطواته الغاضبة زي دق طبول على بلاط الأرضية المتكسر. "إيفلين،" قال بحدة. "الأدلة بتتراكم ضدك وضد..."
سكت فجأة لدرجة إني توقعت إنه هيقع على الأرض لما لفيت وكوباية مية الحنفية في إيدي، الغضب في وشه كان واضح أوي دلوقتي في نور المطبخ، بس اختفى في ثانية، وفيه حاجة تانية في عينيه، نفس النظرة اللي كانت في عينيه لما بصلي بعد ما ضرب ديلون ضرب مبرح.
"وشك."
قرب خطوة، وأنا مستعدة إنه يطلع اتهام تاني من دماغه، بس بدل كده، رفع إيده ومسك دقني بصباعه الكبير والسبابة بالراحة والثبات، ورفع راسي ناحية النور.
"هو ضربك؟"
الفصل الخامس عشر
الكدمة اللي حوالين عينها، والجلد المشقوق عند شفايفها، والجرح اللي عند حاجبها مكنوش باينين أوي في نور الصالة الخافت، لكن هنا، في المطبخ، الموضوع واضح وضوح الشمس.
غضبي هدي أسرع من أي ويسكي، وغضب تاني بدأ يتكون في صدري، كان أغمق، وأثقل، وأخطر من الغضب اللي حسيت بيه لما افتكرت إن إيفلين جاسوسة، سماع انفعالها مضافش وضوح أكتر للحقيقة، وكل الأدلة بتشير إنها مجرد صدفة أو علامة، العلاقة بالروسي اللي اتشافت وهو خارج من شقتها هي أكبر دليل على كده.
فجأة، الموضوع مبقاش مهم، على الأقل مش دلوقتي، الجروح لسه طرية، والكدمة اللي حوالين عينها لسه وردية وبنفسجية. بعد كام ساعة، هتسود أكتر، إيفلين رفعت إيديها وحاولت تزقني وهي بتحرك راسها، بس أنا متزحزحتش ومنعتها تبص الناحية التانية.
"قوليلي الحقيقة،" قلت بحزم.
إيفلين لفت عينيها وشدت دقنها من إيدي "أوه، دلوقتي بقيت مهتم بالحقيقة، وإيه أهمية اللي هقوله لو أنت خلاص خدت قرارك ناحيتي؟"
مسكت دقنها تاني، وميلت وشها ناحيتي، ودققت النظر في الجرح اللي في حاجبها، مش باين إنه عميق كفاية عشان محتاج خياطة، بس لسه محتاج شوية علاج. "اقعدي."
إيفلين أخيرًا استسلمت بتذمر، وقعدت على الكرسي الخشب المتكسر اللي جنب ترابيزتها المدورة الصغيرة، عديتها ورحت ناحية الحوض، ودورت في كام دولاب على شنطة إسعافات، بس ملقتش حاجة، لازم أعملها بالطريقة القديمة،وأنا بدور، 'دييل' ظهر على الباب، وكح عشان يلفت انتباهي، بصيت في عينيه، وهز راسه مرة واحدة بس، ملقاش حاجة،اللعنة، هانك ظهر بعد كده، بيلف حوالين دييل، وعينيه وسعت لما شاف وش إيفلين التعبان، وبعدين بصلي. "محتاج حاجة؟"
"أيوه. روح هات أكل، كانت بتشرب كتير، باين من ريحة المكان، وهات الشنطة من العربية."
"أنا موجودة هنا، زي ما أنت عارف،" إيفلين همست بضيق، وهي بتقشر حتة دهان أبيض من ترابيزتها. "ودييل، عايزه يراقب هاري."
"حاضر فورًا." دييل مشي من غير ما يسأل، بس هانك فضل واقف متردد.
"هانك. امشي."
"يا ريس." لسه بيرفض يتحرك "مكنش جزء من الخطة أسيبك لوحدك."
"عندي خطة جديدة،" قلت وأنا بغلي الكاتيل وبلاقي شوية قطن في دولاب فوق. "امشي."
نظرة هانك اللي مش مطمنة راحت لإيفلين، وبعدين أومأ أخيرًا واختفى من المدخل، رجع بعد كام دقيقة ومعاه شنطة الإسعافات الأولية، وبعد نظرة حذرة تانية لإيفلين، مشي.
"هو فاكر إني هقتلك أول ما يمشي ولا إيه؟"
إيفلين تمتمت، ولسه نبرتها مضايقة، بس على الأقل مبقتش تزعق في وشي دلوقتي.
رديت."يمكن، وأنتِ كمان؟"
"لو اضطريتنى أقولك إني مش جاسوسة تاني، يبقى أيوه، يمكن."
"شكلك مش كويس يا إيفلين."
"مفيش حاجة تانية بتليق عليا، بس يا خسارة إننا نتكلم كلام بني آدمين، أنتِ وصلتيني للمشنقة."
"تمام." صبيت مية دافية في كوباية، وقعدت جنبها على الترابيزة، وكتمت رعشة لما الكرسي عمل صوت جامد تحت جسمي. "تعالي نتكلم." إيفلين بصتلي بحدة. "يمكن مش عايزة دلوقتي عشان أنتِ بني آدم وحش."
"تمام. أنا هتكلم." سحبت الشنطة ناحيتي وفتحتها وأنا ببل قطنة بالمية السخنة، وبعدين مسكت دقنها بإيد واحدة وميلت راسها على جنب، معترضتش، بس كانت باين عليها إنها متضايقة.
"الروس بيعتبروا موت بريندن شغلهم، شافوا راجل شغال في القطاع الروسي وهو خارج من شقتك، راجل كنتِ على اتصال بيه باستمرار طول الست شهور اللي فاتوا، ده حتى كان ضيف في الفندق في وقت من الأوقات."
إيفلين اتحركت تحت نظراتي واتوجعت وأنا بدأت أنضف الجرح اللي في حاجبها. "إزاي تعرف كل ده؟"
"بما إن ليا اسم ووش، مفيش حاجة مش هعرف أوصلها."
لفت عينيها بس سكتت، "شايفة المنظر عامل إزاي؟"
"يمكن،" إيفلين همست. "بس مش فارق معايا أوي عشان أنتِ قررت إني فظيعة من أول لحظة رفستِ فيها بابي." إيفلين اتأوهت وبعدين قالت
"أنتِ عارف حتى تصليح ده هيكلف كام؟ صاحب البيت هيتجنن."
مسحت عينيها بالراحة، وشلت الدم الناشف من حواليها، وبعدين رحت لشفايفها، فضلنا ساكتين، كل لمسة من القطنة الدافية على شفايفها اللي تحت بتشد اللحم شوية، وبتفتح شفايفها، كان صعب إني مفكرش في طعمها الحلو لما بستها، أو إزاي كنت ممكن أسيب جرح زي ده على شفايفها بسناني، بس الموضوع مختلف، إنك تعرف إن حد تاني عمل فيها كده.
"أنا هصلحلك بابك"
"مش محتاجة مساعدتك،" همست بحزن.
"أنتِ محتاجة مساعدتي، عشان أنا مش الوحيد اللي فاكر إن ليكِ إيد في قتل بريندن، دلوقتي عايز تتكلمي ولا أكمل في طريقي ده وأقتلك؟"
رفعت دقنها، ولفيت ناحية شنطة الإسعافات الأولية وبدور على مناديل مطهرة.
"تفرق أوي؟" اتنهدت، وضمت كفوف إيديها على بعض. "أنتِ كده كده خدت قرارك."
"كل ده عشان إحنا معرفناش بعض غير من كام يوم؟"
إيفلين رمشت وبصتلي بسرعة، وبعدين أومأت براسها، غمضت عينيها وأنا بمسح جروحها بالمناديل المطهرة، ولما همست من الوجع، قلبي اتقبض بذنب مكنتش متوقعه
"لو مكنتش اتصابت،" سألت بهدوء، "كنت هتزعق في وشي لغاية ما تموتيني؟"
"يمكن. معرفش."
"يبقى ليه وقفت؟"
"لنفس السبب اللي خلاكي تبطلي تزعقي في وشي،" قلت وأنا برمي المناديل المطهرة "أخدت نفس عميق، معرفش إيه اللي كان هيحصل لو مكنتش فجأة عايزة أنضفك عشان أنا متغاظة، شكلك العدو في السر، ولو مقدرتيش تقنعيني بعكس كده، فأعتقد إننا هنكتشف ده."
إيفلين اتنهدت بعمق كأن التعب طالع من جوا روحها.
"أنا مش جاسوسة، أنا مش روسية، أنا مكنتش حتى أعرف إن هاري كده، تمام؟ ده مجرد مرابي وأنا مديونة له بفلوس كتير."
"مديونة له بفلوس؟" اخترت كام غرزة فراشة، وحطيت صوابعي على فكها عشان أشجعها تميل راسها على جنب عشان أعرف أقفل الجرح الصغير اللي في حاجبها.
"أيوة. أنا..." إيفلين اتأوهت. "نعتبر إن الموضوع مش مهم دلوقتي، مش كده؟ كنت مديونة، ديون كتير عشان بحب الكريديت كارد، الحاجات كانت بتفرحني عشان مكنش عندي حاجة تانية، المهم، مصاريفي مكنتش ماشية مع دخلي، وكنت بخسر كل حاجة لشركات كتير، فلقيت مرابي، واستلفت منه كام قرش، وبعدين سددتهم."
إيفلين مديونة، هو ده كل الموضوع بجد؟ كل حاجة بتشاور على حاجة تانية - غضبي، على ما يبدو، بحاول أستوعب الموضوع وأنا بخيط الجرح، وهي مكملة كلامها.
"بس، هاري في الآخر حط فوائد كبيرة على اللي استلفته، فوائد مجنونة، وكنت بسدد بالبطيء، بس سمع إني كنت في مركز الشرطة فافتكر إني هبلغ عنه ولا حاجة كده اتعصب و..."
لوحت بإيديها بخفة على وشها،غضب غريب بيتصاعد جوايا وأنا بحط آخر غرزة، أنا هدور على هاري، وهقتله.
"يبقى أنا معرفش حاجة عن اللي بتتكلم عنه، تمام؟ وأنتِ بني آدم وحش أوي عشان مجتيش هنا وسألتيني عنه."
هي عندها حق،ده بيعصبني، بس هي عندها حق، قمت بالراحة ونضفت القطن والمناديل اللي متلطخة بالدم، وبعدين وقفت جنب المنضدة ومسكت الحافة بإيد واحدة، أنا غلطت في ده،غلطت غلط جامد، فكرة إني نمت مع واحدة ليها علاقة بموت بريندن، وإن الست اللي حبيتها بسرعة دي هي العدو، عمتني،كنت قربت أتمنى إنها تعترف عشان أرجع مشاعري للحزن، وأقتلها، وأكمل حياتي، بس هي بريئة، ممكن يكون وجود هاري في قائمة رواتب الروس مجرد صدفة، بس ده مثالي أوي، مين عارف إيه اللي هيحصل لو صرفت نظري عن الموضوع دلوقتي؟
"يبقى؟" إيفلين سألت وصمتي طول. "مش هتقولي حاجة؟"
بصيتلها. "مديونة له بكام؟"
اتوجعت بخفة وبصت الناحية التانية "ميتين وخمسين ألف."
"كام، بس "
ده مبلغ مش كبير، على الأقل بالنسبة لي، بصة سريعة على شقة إيفلين، ويمكن يكون ده مبلغ أكبر من اللي شافته في حياتها، أكتر من طاقتها الائتمانية،
"أنا..." سكت، بدور على الكلام الصح اللي أقوله، يمكن مفيش طريقة مثالية أقول بيها الكلام ده "أنا فاهم، ومصدقك"
"أنتِ مش عامل كأنك مصدقاني،" إيفلين قالت وهي بتبص على الطرقة اللي بتودي لبابها الأمامي المكسور.
"وجود هاري مع الروس ومحاولتهم ينسبوا الفضل لنفسهم في عملية القتل ده..." هزيت راسي. "الموضوع أكبر من إني أخوض فيه معاكي، بس لو كنتِ بريئة زي ما بتقولي، ففيه احتمال إن هاري يكون علم عليكي."
"علم عليا؟"
"أيوة، بريندن كان في الفندق ده كذا مرة وأنتِ بتشتغلي هناك، الوقوع في ديون مع هاري بيحطك في قائمة الناس اللي ممكن يستغلوهم عشان ياخدوا اللي عايزينه، يمكن كنتِ طريقهم للفندق عشان يوصلوا له."
"بس أنا - معملتش حاجة، أقسم بالله، هاري مجابش سيرة الفندق خالص، ومكنش عنيف خالص غير الليلة دى ،اللي افتكر إني بسلمه للشرطة"
"مش مهم، يمكن كانت حاجة صغيرة عملتيها ساعدتهم من غير ما تعرفي، أو كنتِ مجرد خطة احتياطية."
فركت فكي، وحكيت دقني براحة إيدي وأنا بحاول أفهم خطتهم في دماغي، بس من غير هاري، كل اللي ممكن أعمله هو التخمين.
"يبقى أنتِ اقتحمت هنا فاكر إني جاسوسة، وبعدين عالجتيني، ودلوقتي بقيت في صفي؟" إيفلين ضيقت عينيها. "مش فاكرة إني مصدقاك."
"يبقى متصدقنيش،" قلت. "أنا... آسفة على بابك، كنت متغاظ عشان افتكرت إني خليتك تقربي مني وفي الحقيقة، كنتِ أنتِ المذنبة"
"بأقرب منكِ؟" مالت راسها بطريقة بتفكرني بجرو فضولي.
"فاكرة إني بنام مع أي حد في الكنبة اللي ورا في عربيتي؟"
وشها احمر فجأة، وبصت الناحية التانية "معرفش،" همست. "أنا متأكدة إنك بتنام مع بنات كتير."
"لأ." لسبب ما، مهم أوي بالنسبة لي إنها تعرف كده "منايمتش مع حد في عربيتي غيرك، في الحقيقة، منايمتش مع حد من زمان أوي."
"بجد؟" نظرتها الخجولة ليا بتوحي إنها حابة تسمع كده، بس بالنظر لإزاي كنت بفهم الأمور لغاية دلوقتي، مش متأكدة إني ممكن أثق في نفسي.
"بجد."
"طيب..." إيفلين اتحركت على الكرسي وحطت إيديها على الترابيزة، ولفت صوابعها في بعض. "على الأقل جاتلي فرصة أشوفك تاني، مرة أخيرة."
انتباهي كله اتوجه ليها في ساعتها. "إيه اللي تقصديه، مرة أخيرة؟"
بتبصلي بعيونها الواسعة دي اللي زي عيون الغزالة. "أنا آسفة إني زعقتلك، كل حاجة كانت مسيطرة عليا، واتعصبت أوي من اللي كنتِ بتقوله، حاسة إني مبقتش عارفة أتحكم في نفسي، وكل الناس بتفترض وبتاخد قرارات عني من غير ما يسمعوني، ودلوقتي..."
"إيفلين." قعدت جنبها وحطيت إيدي الكبيرة على إيديها اللي متشابكة.
"بتحكي عن إيه؟"
"هاري عايز فلوسه دلوقتي، بمعنى إنه هيقتلني خلال تمانية وأربعين ساعة لو مجبتلوش الفلوس، وأنا معنديش المبلغ ده، فـ..." هزت كتفها وعينيها بتلمع بالدموع "افتكرت الشرب هيخليني أحسن، بس..." سكتت، وهزت راسها.
مع ذلك، ده مثالي بالنسبة لي. "أنا هدفع دينك."
"إيه؟" رفعت راسها فجأة.
"أنا هدفعهم، ده مبلغ مش كبير، بالإضافة لكده، ده هيجنبني عناء التفكير إزاي أمسك هاري قبل ما يرجع للعيلة."
بق إيفلين اتفتح "أنتِ مش بتهزر صح."
بعدين شلت إيدي من عليها، اللمس كان كتير شوية، كأن لمستها بتحرقني، ولسه حاسة بيها حتى وأنا بدعك كف إيدي في فخدي.
"اتصلي بيه، قوليله إن معاكي الفلوس وعايزة تقابليه."
بالرغم من المفاجأة الخفيفة اللي كانت باينة على وشها، عينيها ضاقت.
"يبقى هو ده كل الموضوع، أنا مجرد أداة بتستخدميها تاني."
"تفرق؟" رديت. "أنا هسدد دينك وهمسك الفار الصغير كله كسبان."
وش إيفلين اتكشر وأومأت براسها. "يبقى مجرد أداة."
"أداة من غير ديون"، بهزر، بس باين إن الوقت لسه بدري على الهزار، فقمت وخطيت كام خطوة بعيد خايفة الرغبة في لمسها تاني تغلبني.
"إيفلين، لو كنتِ مجرد أداة، مكنتش هساعدك."
"مساعدتي بتحققلك اللي عايزه،" ردت وهي بتبصلي. "يبقى، مجرد أداة."
"كل اللي محتاجاه هو اسم ووش، وده موجود عندي هاري فعلًا، ممكن أوصل له من غيرك، يبقى لأ، مكنتش هساعدك لو كنتِ مجرد أداة."
"يبقى ليه بتساعديني؟"
ببصلها، ودماغي فاضية وقلبي بيدق جامد، ده السؤال الوحيد اللي مش عارفة أجاوب عليه.