أخر الاخبار

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي الفصل الثالث

عالم موازي 

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي الفصل الثالث

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي

 الفصل الثالث 


بعد تردد دام لحظات همست:

_ مش منك من اللي حواليك، أنت عارف هما عملوا ايه قبل كده! وأكيد متوقع أيه اللي هيحصل لما يعرفوا اللي إحنا فيه.. 


الصدمة على وجهه كانت واضحة من كلماتها الصريحة، التي تخبره بها أنها خائفة من عائلته، أو من رد فعلهم، ومن ضغطهم للمرة الثالثة عليه، ربما استطاع أن يقاوم في المواجهة الأولى، لكن ماذا قد يحدث الآن.

شعر بموجة من  الألم غزت روحه تقوقع معها وشعر ضبصراع داخلي ولكن ماذا بعد؟ وهو أعلم الناس بحالها، نظرت لعينيه وقالت بجرأة لم تكن تستطيع أن تتكلم بها من قبل، ربما خوف من مواجهة ضعفها و إعلانه امامه هو، رغم أنه السند .


_مش هنضحك على بعض ولا نحط راسنا في التراب زي النعام، أنت عارف كويس إن أنا حملي عزيز، وربنا رزقنا بمروان بعد سنين علاج وتعب وعمليات، أنت عارف قد ايه…


قاطعها قائلا: بلاش نخش في التفاصيل 


_يا ترى عيلتك هتتصرف إزاي لما تعرف إن الإبن اللي كانوا مستنيينه، وجه بعد شوقة، بقى مريض من وجهة نظرهم رغم إن عنده "اضطراب طيف التوحد"  مش عارفين نخترق القشرة اللي حواليه، بقى لينا 10 ايام و هو ثابت على وضع واحد، يا ترى والدتك لما تيجي تشوفه هيحصل ايه؟


 ربما مخاوفها تسربت له، لكن هل يستطيع أن؛ينساق خلف رغبتهم في وجود حفيد سليم معافا؟!

 مد يده ليعانق كفها على الطاولة وهو يقول: 


_عارف انتى خايفة من ايه؟ ويمكن أكون أكثر منك بس بلاش تخلينا نسبق الاحداث، ونفترض حاجات لسه ما حصلتش..


 نظرت له بدهشة، ودعت الاقتناع وهي تقلب الطعام فيه طبقها، دون أن تأكل منه شيء، لم يكن حاله أفضل منها، ولكنه من يجب عليه المبادرة، من يجب عليه جذبها من ذلك التيار العميق الذي يأخذها إلى مناطق سوداوية من التفكير، هي الآن ترتب عقلها على أن الأسوء لم ياتي بعد، تتهيئ نفسها نفسيا على أنه سينسحب ويبتعد بأمر من عائلته، أو على الأقل ستشاركها فيه أخرى، وكأن المثل القائل «المصائب لا تأتي فرادى» لم يكذب 


أنتفضت وهي تشعر به يقف خلفها يحاوطها بيده يضمها ويحاول ان يجعلها تنهض عن المقعد وهو يهمس بجوار أذنها 


_ما تفكريش


 رفعت وجهها لتنظر لها ولكنه باغتها بعد ألتقت شفتيهما في قبلة محمومة محملة بالشوق واللهفة ممزوجة بالخوف، الذي يشعر به.. ذلك الأحساس الغريب الذي اصبح يتقاذفه من الداخل، وعليه ان يدعي ان لا شيء سيتغير، ولكنه يعلم جيدا أنه ما ان تعلم عائلته بما حدث لطفلهم سيبدأون الضغط من جديد، ان كانوا منذ فترة وجهوا طاقتهم انهم يريدون طفلاً أخر، حفيد يرث الأرض وشركات الجد، ورغم ان معتز مستقل بذاته عن العائلة، خاصة من تلك المرة التي كان فيها تلميحاً بأن لم يبتعد عن زوجته او يتزوج غيرها، فانه لن يحصل على شيء منهم 


فلاش باك.. 


كان ينظر لوالده  إستفسار 


عزام:  زي ما سمعت يا معتز مش كفاية اننا بلعنا جردل لمون على نفسنا و قبلنا بالهانم إللي مش من مستوانا كمان تطلع ما بتخلفش !!


معتز: عندها مشكلة مش عاقر، وحتى لو عاقر أنا راضي بنصيبي.. 


ثار والده وهو يخبط المكتب أمامه ويقول: 


_ بس أنا مش راضي يا باشمهندس زي ما أنا مش راضي على حاجات كتير بتعملها..


تدخلت امه وهي تضغط بطريقة اخرى 


مروة: كان مالها بنت عمك اللي فضلت مستنياك سنين وانت في الآخر تتجوز واحدة ولا تسوى…


معتز: ماما لو سمحتِ اللي بتتكلمي عنها تبقى مراتي..


_ مراتك اللي مش عارفة تجيب لينا حفيد أنت ولد وحيد على ثلاثة بنات، ومفيش حد يشيل اسم العيلة غيرك انت وابنك، اللي مش بين إننا هنشوفه عشان أنت بتحب ست هانم سما، وسيبت بنت عمك والوقتي معاها ثلاث ولاد…


_ ربنا يسعدها يا ماما (رنا) اختى وعمري ما شوفتها غير كده..


_ طيب وبنت خالتك..


_ انتِ ناسيه حاجة مهمة يا أمي أنا متجوز وبحب مراتي!!

 

تدخل والده وهو يقول: حبها بس هاتلي حفيد! اتجوز تاني وألا مش هتشوف مني قرش واحد..


    لهجة التهديد جعلته يدرك أن قطع  الشيء بيدك افضل من ان تهدد به باقي عمرك، فاستغنى عن سيارته الفاخرة


وضع مفاتيح السيارة على مكتب والده الذي نظر له بغضب وهو يقول: انت فاهم معني اللي عملته 


معتز: اكيد يا حج فاهم  ودي كمان تأكد ليك مدى فهمي..

 ووضع كروت البنك الخاصة به ترك فقط التي يحول عليها مرتبه، واخرى كانت له منذ كان طالب. 


عزام: بتتخلى عن كل حاجة عشان البنت دي 


معتز: البنت دي مراتي وأنا عمري ما أتخلى عنكم بس واضح انكم اتخليتوا


مروة: ربنا يخدها إس المصايب دي.. انت عارف لو ما سمعتش كلام ابوك  هغضـ….


قاطعها قائلا: لو سمحتِ ما تكمليش؛ لأني مش هغير رأي، واضح إنكم مش مدركين أني راجل اقدر اكفي بيتي من غير مساعدة، وخاصة لو المساعدة دي هتبقى وسيلة ضغط 


كاد ان يتحرك ليجد سما تقف بالباب ودموعها تغسل وجهها ومما يظهر عليها يبدوا انه استمعت الى كل حرف فكان رده أن ضمها وهو يقول:


_ياله..


_ بس هما عندهم حقـ…


_ هش ولا كلمة..


 اصبح لديه سيارة اقل من عادية، واستغنى عن الكروت البنكية، واكتفى بمرتبه ولقد كانت تشعر بالسعادة حينما فعل ذلك من اجلها،  تمسكه بها كان جليا ..

افاقت من شرودها في الماضي 

أما الآن هي في بحر قوي متضارب تخشى من أن تكون الخيار الثاني، وليس هي فقط بل هي وطفلها الذي اصبح مهددا بوجوده في ذلك العالم الموازي باقي عمره، هل تستطيع ان تجذبه من تلك البؤرة؟ هل تستطيع أن تخترق تلك القشرة التي يحاوط نفسه بها، إلا أنها تركت كل شيء وهي تنقاد إلى مشاعرها، أو ربما مشاعره.. التي جرفتهم معا وهو يحملها بين ذراعيه يتحرك الى غرفتهم.. 


بعد وقت كان ينظر لها بابتسامة، ويده تعبث في خصلات شعرها، وهو يقول: 


_ما تعرفيش كنت محتاجك قد أيه، رغم إني عارف أن الوقت مش مناسب بس اوقات كثير لازم نهرب من الأفكار اللي بتعصف بينا، لازم نلاقي مخرج، وحضنك وحبك المتنفس الوحيد اللي ممكن اخرج بيه من كل اللي بفكر فيه..


_ وانت مش محتاج انك تفكر..


 ابتسم بمرح رغم ان عينيها تحمل بحر من الافكار والمشاعر المتضاربة إلا انه هز رأسه بالنفي وهو يقول: 


_لا يا سما مش محتاج أفكر لأن أ وقات كتير التفكير بياخدنا لمشاعر اسوء خلينا عايشين وسيبيها كده، أنا في اللحظة دي ما كنتش محتاج غيرك، ويمكن لسه محتاجك… 


ضحكت بصوت مرتفع، إلا انه باغتها وهو يقربها منه مرة اخرى، عله يطفئ موجة الشوق، ام تراه يفكر في أن يطفئ موجة الحزن، أم يهرب مما يحدث حوله..


 مر اليوم وغيره وها هم يحملونه ويتحركون إلى احد مراكز التخاطب، الذي أوصى بها دكتور راضي قبل خروجهم من المستشفى..

 سما وهي تتعلق في يد معتز، رغم انه يحمل صغيرهما الذي لا زال متجمدا على حاله، سألت 


_ تفتكر هيبقى في نتيجة..


_ مش قلنا بلاش نفكر، سيبيها على ربنا


_ سايباها بس خايفة..


 التفت ينظر لها بابتسامة وهو يحاول ان يضمها بذراعه الطليق، يقربها منه وكأنه يعطيها الدعم النفسي والمعنوي الذي تحتاجه، رغم انه بحاجه إلى من يدعمه، وهو يقول:


_ خايفة؟! وانت معايا! انا وانت نواجه الدنيا زي ما واجهناها قبل كده.. 


 ولقد كان صادقا فلقد تزوجها رغم الفرق الاجتماعي بينهما، وقف امام العائلة واختارها وما ان ادركت اسرتهم انها تعاني من مشاكل في الانجاب، قاموا بمهاجمته ومحاصرته في الركن وكانهم يقولون هذا نتيجة اختيارك، ولكنه وقف بجوارها للمره الثانية، حتى بعد ان هددوه بقطع كل وسائل الرفاهية كوسيله للضغط، لكنهم لم يدركوا انه اعتاد على البساطة في كل شيء، وانا قربها مع القليل من الدنيا، خير من بعدها مع الدنيا بأكملها 


هزت رأسها وهي تقبل كتفه، بعد قليل كانوا يجلسون في غرفة الانتظار بينما الطبيب يحاول ان يتعامل مع الطفل، حاول ان يقدم له بعض المحفزات الخارجية، ولكن لا شيء تغير ظل مروان صامتا لم يتحرك فيه شيئا، لم ينظر الى اي من تلك المؤثرات الخارجية حوله، سواء كانت بصرية او حسية…


تكلم معه طرح اسئل بسيطة عن اسمه سنه مدح في ملابسه، لكن لا رد حاول أن يقدم له الطعام ولكنه لم يستجب، لم يمد يده أو يلتفت لينظر.. 


أول جلسة باءت بالفشل، ولكن هذا ما كان يتوقعه الطبيب، بعد فترة كان يفتح الباب يسمح لهم بالدخول، لكنهم وجدوا الطفل جالسا على نفس الوضع الذي كان عليه، نظر معتز إلى الطبيب باستفسار وهو يقول: 

دكتور وجدي في امل؟ 


هز وجدي رأسه بمهنية، وهو يقول: 

_طبعا في امل احنا عايشين بالأمل، بس اللي انا عايز اقوله لحضرتك لازم يكون نفسك طويل جلسات التخاطب مع مصاب التوحد أي ان كانت درجته، او المسمى العلمي ليه  ما بتجيبش نتيجة من اول جلسة وابنك عنده «اضطراب طيف التوحد»  يعني ممكن نقعد شهور وما يحصلش أي استجابة بس احنا كل اللي بنعمله أننا بنحاول 


معتز:  فاهم 


وجدي: لازم اكون صريح معاك، علشان انا شايف ان عينيك متعلقة بالأمل، كأن من أول جلسة ابنك هيتكلم ويرجع يمشي ثاني أحنا بنحاول نخليه يستجيب رغم أني عارف كويس ان ده هياخد وقت 


تدخلت سما وهي تسأل: 


_ قد أيه يا دكتور.. 


_مش فاهم انتم مستعجلين قوي، رغم ان دي حاجة مش بأيدينا، ممكن الجلسة الثانية تحدث استجابة، والجلسه اللي بعدها يرجع زي ما كان، المهم انه يخرج من القوقعة اللي بيحيط نفسه بيها، هو مش متجمد وهو عايش في خيال خاص بيه، شايف حاجات انت مش شايفاها


تقبلت كلامه دون ان ترد فماذا بيدها لترد به! هي لا تعرف شيئا عن ما يعانيه طفلها، لكنها تحاول ان تساعده أو تجعله يستعيد نفسه، ستفعل أي شيء حتى لو ظلت بجواره باقي عمرها، حتى لو حاربت بمفردها دون دعما من شريك العمر، ولكن هل سيظل معها إلى النهاية؟ أم… 


#روايات_بقلم_نورا_محمد_علي



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-