عالم موازي
رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي
الفصل الثاني
نظر له معتز باستفسار، عينه تحمل تساؤل ممزوج بالدهشة، وهو ينتظر أن يكمل حديثه عله يفهم ماذا يعني «عالم موازي»..؟ وما يستطيعون فعله لتنتهي تلك المعمعة التي يعيشون فيها..
ابتسم الطبيب و تريث بهدوء وهو يقول:
_ انا أقصد العالم اللي فيه (مروان) منغلق على نفسه وبعيد عن عالمنا، وفي نفس الوقت موازي ليه، وعلشان تخترق العالم الموازي ده أدامك كثير..
كان يتكلم معه غافلا عن أن (سما) اقتربت من الباب؛ لتنادي على زوجها ولكنها توقفت في مكانها تستمع إلى الحوار الدائر بينه وبين الطبيب، الذي لم يجرؤ ان يخبرها بما يعانيه طفلها، فسقطت دموعها ولكن في لحظة ألتفتت لتنظر إلى الطفل الذي لا زال ينظر أمامه، وكأنه ينظر لشيء لا تراه..
حاله يؤكد كلام الدكتور راضي، رفعت يدها تمسح دموعها ، و تتحلى بقوة وهمية لا تشعر بها من الأساس، وهي تخرج تنظر إلى الطبيب بقوة وعزم وكأنها ذاهبة لتواجه حرب مع خيال نفسي!
لا تستطيع أن تدرك أو تفهم في ماذا يفكر طفلها..؟ وها هي تتسائل بعد ان فتحت الباب
_ المفروض أعمل ايه؟ ايه اللي لازم نعمله علشان نقدر نتواصل معاه ونقدر نخرجه من حالة العزلة اللي هو فيها؟ ايه اللي ممكن نعمله يخليه يرجع زي ما كان؟ بلاش زي ما كان يا دكتور راضي على الاقل يتكلم معانا..
_ انتم محتاجين تلاقوا مختص في علم النفس «Psychology» "سيكولوجي" مش ضوروري يكون «Psychiatrist» طبيب نفسي "سيكاترست" ممكن يكون«Psychologest» "سيكولوجست" وكل ما ده بقى بسرعة يكون أفضل.
نظرت له (سما) بدهشة، وهي تقول:
_مش فاهمه تقصد ايه؟ وإيه الفرق بين الـ سيكاترست والـ سيكولوجست
_مش كبير الاثنين بيدرسوا السلوك النفسي، بس سيكاترست يقدر يوصف دواء ويشخص الحالة وسيكولوجست بيتابع معاه جلسات
سما: طب ما نروح للأفضل
_ الموضوع مش سباق يا مدام ومين فيهم الأفضل ، الاثنين يؤدوا نفس المهمة بس حالة ابنك مش محتاجة ادوية، بقدر ما هي محتاجة محفزات خارجية، وقدرة على التعامل معاه، شخص يكون عنده بال طويل ونفس أطول، زي
«communication specialist»
"اخصائي تخاطب"
يقدر يجذبه من عالمه الخاص بدرجة معينة، بس قبل ما أوصيكم لازم تقرأوا كثير عن التوحد، لان في حالات كتير ودرجات أكثر، بس أهم من ده كله لازم تعرفوا بعد ما يخرج من عزلته أو من العالم الموازي اللي هو عايش فيه، بخياله وعقله، ايه اللي هيحصل؟ لما يصطدم بالواقع اللي احنا فيه لازم تقروا انتوا الاتنين كثير عن «اضطراب طيف التوحد»
هزت رأسها بموافقة وهي تسأل:
_نقدر نطلع امتى
_ هشوف الاشاعات اللي طلبتها والتقارير والتأكد إن مفيش سبب عضوي .. وقتها هسمح ليكم بالخروج وهرشح ليكم سيكولوجست مناسب لحالته..
وقد كان آخر كشف أكد ظنون الطبيب، عندها سمح لهم بالعودة إلى المنزل.
وكما حمله والده عندما اتى به إلى المستشفى حمله وهم خارجين منها ولكن حالته كانت مختلفة لم يكن نائم لكنه كان متجمد، لا يتحرك فيه غير النفس قد يستمر الأمر لفترة حتى يقرر هو الخروج من عزلته…
كانت والدته تضعه في الفراش وهو لازال على نفس الوضع..
مر الوقت وحاولت أن تتكلم معه لكنها لم تتلقى رد لم تحظى على اهتمامه، بعد وقت خرجت لتعد له الطعام نظر لها زوجها بستفسار ..
سما: جعان
معتز: جداً
سما: اسفة يا حبيبي الوقت مر من غير ما اخد بالي، هحضر الأكل وارجع أحاول تاني .
اقترب منها ليضمها يربت على كتفها كأنه يعطي لها اشارة لتتحرر من الضغط المكبوت بداخلها، وها هي تترك لدموعها العنان تتساقط على كتفه وهي تقربه منها كأنها تحتمي به من الدنيا ومن ما هو آت
_ هيبقى كويس إن شاء الله اطمني .
_ يا رب يا معتز مش قادرة اتخيل انه ممكن يفضل كده على طول..
_ حضري اكل يكون بيحبه وحاولي معاه تاني يمكن يستجيب .
هزت رأسها وهي تبتعد عنه، تتحرك إلى المطبخ بينما هو تحرك إلى غرفة طفله وهو يقول :
_ مروان…
لكنه لم يتلقى رد بل ظل كما هو فأكمل كلامه بطولة بال وشوق لأن يتلقى رد من وحيده..
_ انا عارف انك سامعني وممكن ما تردش، مش مهم أنك ترد، انا عاوز اتكلم معاك وحشتني أوي يا «مارو»، انت عارف انا ومامي بنحبك قد ايه وحشنا صوتك وضحكك ولعبك..
ورغم انه لم يتلقى رد اكمل كلامه: أنت عارف مامي فين؟ بتعمل ليك الاكل اللي بتحبه شامم الريحة الخرافة كل ده عشانك، مش بس النجرسكو والكفتة دي في كمان تشيز كيك مامي بتتعب نفسها عشان «مارو» حبيبنا اللي عاوزينه يرد علينا ويورينا ضحكته الحلوة ويسمعنا صوته…
اخذه الكلام لفترة طويلة لكن لا رد، بعد وقت كانت سما تقف بالباب تستمع له ولكلامه مع طفلهم..
التقفت انفاسها الهاربة تأثر من فرط مشاعر معتز، الذي ما كان يبوح بها بهذا الضعف والحزن والألم في وجودها، وهنا ادرك أنه ليس بمفرده رفع يده كأنه يرتب شعره لكنه كان يحاول أن يمسح دموعه دون أن تراه، وهو يقول:
_ ايه يا قلبي بطني عاملة ثورة.. الأكل لسه عليه كتير؟
_ جهز على السفرة
نظر لها بستفسار وهو يرى صينية في يدها محملة بالطعام، لا يعرف ماذا تقصد؟ هل تضع طعامه على السفرة ليأكل بمفرده..؟ أجابت على السؤال الذي لم يطرحه
_ هأكل مروان
_ هستناكي او نأكله سوا ولا ايه رايك نطلعه بره؟
نظرت له بدهشة وهي تفكر في كلامه، وتتساءل بداخلها هل من الممكن ان يستجيب لهم؟ هل من الممكن أن يرجع كل شئ إلى ماكان عليه..؟
حاول حمله لكنه كان ثابت كأنه دمية ولولا النفس لظنوا انه رحل عن عالمنا..
ابتلع لعابه وهو يقول:
_اعتقد أنه مش فكرة كويسة ايه رأيك ناكله الاول وبعدين ناكل سوا؟
هزت رأسها بالموافقة فابتسم وهو يفسح لها مجال لتجلس بجواره، واخذت تحاول أن تطعمه لكنه بالكاد أكل نظرت لمعتز بحزن..
_أول الغيث قطرة
_أيه؟
_يعني أمبارح كان متعلق ليه محلول، النهاردة أكل بكرة الدنيا هتتغير..
_بكرة..؟
_مش بالمعنى الحرفي، بس زي مابيقولوا «أن غدا لناظره قريب» بس انت قولي "يارب".
_يارب يا معتز يارب
_طيب ايه الباشا اكل.. أبوه لسه جعان..
وتحركت عينيه على تفاصيلها وهو يبتسم بخفة ويهمس بطريقة تحمل الايحاء
_وجعان أوي كمان.
_أيه؟!..
ادركت معنى كلامه فتلون وجهها بحمرة الخجل، جذبها من يدها لتقترب منه وهو يحرك يدها على ظهرها بخفة، ونظرة عينه تحمل الكثير من الشوق الممزوج باللهفة، لقد مضى عشرة ايام دون ان يقربها منه، كادت ان تبتعد لكنه همس بمشاعر قوية
_ محتاجلك..
ابتلعت لعابها وهي تطرق بخجل ممزوج بلهفة تحاول ان تواريها.. وهي تهمس
_ بس الأكل على السفرة ممكن يبرد
جذب يدها ليتحرك إلى السفرة وهو يقول:
_ يبرد ازاي النجرسكوا روعة وهي سخنة زي كده ما انا …
ترك كلامه معلق لكنها ضحكت بخفة وهي تتحرك لتجلس علي المقعد المجاور لمقعده فابتسم واقترب ليجلس وهو يقول:
_ هتروحي مني فين ؟
اخذ يناغشها يخرجها من تلك الحالة التي تحاوط نفسها بها، وما ان رأها شاردة حتى رفع يدها إلى فمه وهو يقول:
_ ما تفكريش هتتحل وهيبقى أحسن..
_ انت بتطمني؟ خايفة يا معتز خايفة لو اللي بتقوله ما حصل، ومبقاش كويس هنعمل ايه.. ؟!
_ هيفضل ابننا يا سما ولا انت خايفة مني أنا..
نظرت له لا تعرف ماذا تقول له.. لكنها بالفعل خائفة منه ومن رد فعله، ومن رد عائلته أن كانوا يروا تأخرها في الإنجاب مشكلة، جعلتهم يتدخلون في حياتهم فماذا سيفعلون إن عرف عن إصابة طفلها بالتوحد وهمست: ….
#رويات_بقلم_نورا_محمد_علي