عالم موازي
رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي
الفصل 5
نظرت إلى ابنها بحدة وهي تتحرك تهم أن تخرج من البيت، لكنه امسك يدها وهو يقول:
_ايه الغلط في كلامي يا امي من حقي أعيش واحب الإنسانة اللي تشاركني حياتي، ومن حقك عليا أني اعيش تحت رجلك وقت ما تحتاجيني، وده أبسط حق ليكِ عليا..
_ تمام بس انا حاليا محتاجاك ترجع تقف جنب ابوك، اشتغل في شركتك مش عند الناس وتعيش الحياه اللي لازم تعيشها..
_ أسف انا ما اقدرش أجزء روحي عشان أرضيكِ، وانا قلت ليكِ البعد اوقات بيبقى افضل
_خلاص أنا ماشيه..
لأول مرة تبادر (سما) بالقرب، تمسك يدها وكأنها لم تعد تقوى على ان تتمزق بينهم دون ان تشارك، سواء كان بقبول ام رفض، رغم انها كانت تريدها ان تذهب بالفعل، لكن ذلك الوجع الذي رأته في عينيها جعلها تشعر بالشفقة، رغم أن (معتز) لم يكن قاسياً معها، هو فقط يضع النقاط فوق الحروف، ينتظر ان تستقر حياته بطريقة هادئة، ولكن يبدو ان والده يكابر، وأم تحاول أن تعيد المياه إلى مجاريها مرة أخرى، وتعيده إلى الشركة ولكن بعد ماذا؟ لقد استقر واصبح لديه عملا خاصا به هل يعود ليجد والده وسيلة للضغط عليه مرة أخرى، وعندها يستطيع أن يطالبه بترك زوجته و تنتهي علاقاته بهم ، او تنتهي تلك المعونات التي يغدقها عليه، فذلك المرتب الذي كان يحصل عليه في شركة والده مبالغ فيه، ولكن من يلوم الأب ان ضاعف راتب ابنه أضعاف ليعيش حياة مرفهة..
من يلوم الأب ان يغدق على ابنه بكروت بنكية، يستطيع أن يفعل بها ما يريد؟ من يلوم الاب ان كان يعامل وحيده على أنه مالك كل شيء...
سما: كده احسن حضرتك مش هتقبليني وانا مش هقدر ابعد..
نظرت لها بدهشة فاكملت سما:
ممكن لو ما بحبوش كنت اخذت قلبي ومشيت، وقلت بلاش اتجرح اكثر من كده، انتِ شايفة اني أقل منه بكثير، ويمكن يكون كلامك صح، تفكيرك صح، واللي زاد كمان على ده انه عندي مشكلة في الأنجاب حملي عزيز زي ما بيقولوا بس في النهاية أنا ست بتحب جوزها، لدرجة ما تتخيليهاش، ما اقدرش اتخيل حياتي من غيره، معتز هو حياتي..
نظرت لها حماتها بعدم تصديق ورغم السخرية الظاهرة في عينيها إلا أنها انتظرت لتسمع باقي كلامها، وبداخلها تظنه نص حفظته وكررته كثيراً، لم يحن قلبها والاخرى تكمل:
_ كان لازم احط كرامتي في الميزان ابعد بس ما قدرتش، ما قدرتش اخوض معاكي حرب، وما قدرتش ابعد وانسحب لاني كنت بالبساطة هبقى بتنازل عن روحي، وهعيش جسد من غير الروح، انتِ عمرك ما هتحسي بيا بس مش وقته الكلام ده، ايه رأيك نتغدى سوا..
نظرت لها بحاجب مرفوع ولكنها قالت: أنا مش جايه عشان اكل؛ أنا جايه عشان مروان، انا داخله ليه..
انهت كلامها ولم تنتظر ردا منها أو من ابنها وهي تتحرك لترى حفيدها ولكنها وجدته نائم بالفعل، هنا اخرجت سما انفاسها بخوف، فماذا تقول؟
نحن نعاني منذ فترة حتى يستجب لشيء، ظلت جالسة بجواره تحرك اصابعها في خصلات شعره وهي تهمس:
_حبيب تيتا جبت لك حاجات كثير اللعب اللي بتحبها وكمان شوكولاته شوف..
اخرجت أشياء كثيرة من حقائب الهدايا التي تحملها، ولكنه لم يستيقظ نظرت! إلى أبنها بأستفسار وهي تسأل:
_ هو نايم من امتى؟ أول مره يبقى غرقان في النوم كده..؟
_ كان تعبان
_عرفت أنه كان تعبان بس عنده ايه؟
نظر لها ابنها بهدوء مغاير لتلك العاصفة التي تعصف بقلبه، وهو يقول:
سخن كان حرارته مرتفعة لدرجة اننا حسينا أنه هيروح مننا
شهقت بصوت مرتفع، وهي ترفع يدها إلى فمها وتسأل:
_ بتقول ايه؟ يعني دور سخونية يخليه يروح منكم، والهانم مامته بتعمل ايه؟
_ما كانش في ايدها تعمل حاجة يا امي..
تحركت سما تخرج من الغرفه لا تعرف ماذا عليها ان تفعل؟ لا تستطيع ان تواجهها ولا تستطيع ان تطلب منها ان تخرج من غرفة ابنها قبل ان ينكشف المستور، وتدرك ان حفيدها الذي سيحمل أسم العائلة اصبح مصاب بـ «أضطراب طيف التوحد» اصبح جسد متجمد لا يقبل القرب، ولا يخرج من قوقعته..
مروة: طيب مش هتكلم عن الهانم عشان مضايقكش، المهم عندي انه بقى كويس..
_ مش عارف اقولك أيه بس مفيش حاجة بعد كده هتبقى كويسة
بهت وجه امه وهي تنقل عينها بين الطفل الجامد، وبين ابنها الذي يقف كأنه تمثال لا يتحرك فيه غير النفس، ولولا انه كان يتكلم معها من لحظة لظنته جثة..
اقتربت تحرك الطفل تهدهده تحاول إفاقته، ولكنها لم تحظى على إستجابة، بعد محاولات كثيرة فتح عينه ينظر إلى السقف دون أن يرمش لفترة طويلة، حاولت أن تتكلم معه تقرب منه الهدايا، تقرب تلك الحلوى التي يفضلها.. أشياء كثيرة فعلتها ولكن الفتى لم يستجب..
كادت ان تصرخ اقتربت منه وهي تقول:
_حفيدي ماله عملت فيه إيه؟
_ هي مين اللي هتعمل فيه يا امي؟ دي امه أنتِ مش حاسة بمقدار الوجع إللي إحنا عايشين فيه، بقى لنا شهرين واكثر في الدوامة دي..
_ انت بتقول ايه؟ مروان من شهرين تعبان وأنا ما اعرفش..
_مروان درجه حرارته ارتفعت قوي وصلت لفوق الاربعين دوخت على الحقنه اللي المفروض اجيبها بس مش لقيتها في اكثر من مكان
_ طب ما كلمتنيش ليه! لو كنت دفعت اكثر كان ممكن تلاقيها..
ابتسم بمرارة وهو ينظر لها بعين تحمله الألم ربما يكون كلامها صحيح ولكنه بحث عنها في اكثر من مكان، لن يتأخر حتى لو كان الأمر أكثر من طاقته، وقتها ربما كان بلع كبريائه وذهب يستجدي بعض المال من والده، أو من العائله أو أستعمل ذلك الحساب الذي باسمه لكنه لم يجدها والنتيجة ها هي امامه..
_ما بتردش ليه؟
_ عايزاني ارد اقول إيه يا ماما؟
_ تقول لي ما جيتش وطلبت إللي أنت عايزه؟ ليه ما اتصلتش وكانت كل فلوس الدنيا تحت ايدك عشان خاطر( مروان)..
_ بس فلوس الدنيا ما قدرتش تسحبه من البير إللي هو عايش فيه، مروان عايش في عالم خاص بيه، ما بيتفاعلش معانا ما بيتكلمش ما بيضحكش احنا في معاناة..
_ أنت بتقول أيه؟
_ بقولك زي ما هو كده، هيفضل صاحي مش بيتفاعل مع العالم الخارجي، مش بيحس بالجوع ولا العطش لو ما اكلتهوش مش هيطلب الأكل لأنه مش قادر يتكلم أو يخرج من اللي هو فيه..
_كلامك مش صحيح كل مرض وليه علاج، احنا ممكن نعمل حاجات كثير ممكن نسفره بره، احنا مش ناقصنا فلوس ده حفيد واحد..
اغمض عينه وهو يقول:
المشكله إللي عنده مش مرض
بهت وجهها وهي لا تعرف ماذا يعني؟
_ ابني مش مريض جسدي يا امي، دا مريض نفسي
_أيه اللي ممكن يتعب نفسيته كل حاجه متوفرة ليه وانت بتحاول، ولا انت فاكر ان احنا مش عارفين بشغلك لوقت طويل عشان تكفي احتياجات الهانم، وطلبات البيت..
_ انت محسساني ان هي بتطلب حاجة فوق العادي، و بتتكلمي على أنها خصم، رغم انها بتعاني نفس المعاناة، ويمكن اكثر هي بتقعد مع مروان اكثر مني، فجأة ابنها اللي مالي الدنيا ضحك وفرح بقى ساكت وكل الدكاتره بتقول ان اللي عنده مش مرض مفيش إصابة عضوية بس الحرارة أثرت على خلايا المخ.. حمى شوكية كان نتيجتها اللي انت شايفاه قدامك، درجه من درجات «اضطراب طيف التوحد»
شهقت بصوت مرتفع، وهي تهب واقفة تنقل نظرها بين ابنها وطفله وهي لا تعرف ماذا تقول؟
هل حفيد عائلتهم الكبيرة العريقة مصاب بالتوحد؟ كيف سيرث كل شيء؟ نظرت الى الطفل بشفقة ممزوجة بالحزن ولكنها لم تستطع ان تتكلم لم تستطع ان ترد، واقفة مكانها ربما اصابتها عدوى التوحد هي الأخرى..
حاول ابنها ان يخرجها من تلك الصدمة، ان يخبرها ان هناك امل وهناك علاج، وانه يستطيع ان يخرجه من تلك المعمعة، لكن نظراتها ظلت جامدة وكأنها من زجاج..
حملت حقيبتها بعد وقت وتحركت تجر قدميها وكأنها لم تعد تقوى على حملها، وصلت إلى سيارتها الفارهة بصعوبة، لا تعرف كيف استطاعت العودة إلى البيت، مخلفة ورائها ألم يسكن القلوب، وخوف بدأ يكبر في قلب سما، فما ظهر على وجه مروة لم يكن حزنا قوياً؛ بل كان صدمة لم تتوقعها ونظرة إتهام وكأنها تلوم سما على ما آل إليه حال ابنها وكأنها السبب...
#روايات_بقلم_نورا_محمد_علي