أخر الاخبار

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد علي الفصل ٦

عالم موازى 

رواية عالم موازي بقلم نورا  محمد علي الفصل ٦

 رواية عالم موازي بقلم نورا  محمد علي 

الفصل ٦

كانت تدخل إلى الفيلا تجر أقدامها في وهن ..


نظر لها زوجها بإستفسار... ما الذي حدث في بيت ابنهما يجعلها تعود بهذا الشكل المزري؟ كادت أن تصعد درجات السلم الداخلي لڤيلتهم الراقية حينما اوقفها في المنتصف وهو يقول:


 عزام: مروه مالك؟


 التفتت من فوق كتفها لا تعرف ماذا عليها أن تقول له؟ تلك الصدمة التي استمعت إليها، الألم في قلبها ولكن هل يستطيع ان يحتمل هو الآخر ما ستقوله؟ هزت رأسها بنفي وكأنها تنفي ان هناك شيء يزعجها، رغم حالتها التي يظهر عليها كل شيء، صعدت درجة واحدة، ولكن صوته الحاد أستوقفها وهو يقول بهدوء:


_ مالك! معتز زعلك؟


 هزت رأسها بالنفي


_ أكيد سما ما زعلتكيش أنا عارف كويس انك بتحجميها، ما بيعديش مناسبة غير لما تفكريها بأصلها والفرق الاجتماعي الكبير إللي بينهم، وانها ماكانتش تحلم أنها تتجوزه فايه بقى إللي مزعلك. اوعي تقولي إنها تجرأت واتكلمت معاكي بطريقة ما عجبتكيش..


_ يا ريت 


_هو ايه إللي يا ريت؟


_ إنها  تتكلم بطريقة ما تعجبنيش، الموضوع أكبر.. 


_وايه هو بقى الموضوع 


_مروان 


حظت على انتباهه الكامل وكأنها نطقت كلمة السر، فذلك الحفيد الذي يشعر بالشوق إليه رغم ادعائه البرود، كأنه شيء عادي فلقد حاول بعد أن اتى مروان إلى الدنيا أن يستقطب ابنه مرة  أخرى ليعود إلى البيت، لكن ابنه اكتفى من تحكماته، أكتفى من الخطوط  العريضة، التي يجب أن يسير عليها  من أجل المجتمع المخملي الذي ينتمي إليه، اكتفى بحياته البسيطة في تلك الشقة التي لا تليق بهم، لكن عينه كانت تسأل قبل لسانه فاسترسلت:


_ تعبان


 اللهفة على وجه لم يستطع ان يخفيها وهو يقول:


_ ماله انا هروح اخده اوديه أكبر مستشفى في مصر، اطلعه بره مصر لو محتاج، اوديه المانيا ولا انجلترا المهم انه يتعالج بس هو ماله؟


 هزت رأسها بالنفي فمن كلام ابنها ان ابنه لا يحتاج علاجا كيميائيا، يحتاج علاجا نفسي ورحلة من جلسات التخاطب، التي لا نهاية لها وقد لا تؤتي ثمارها، ويبقى الولد جسد خامد لا روح فيه؛ لم تستطع ان تحتمل العبء بمفردها، فباحت بما قاله ابنها..


 تراجع  عزام خطوة وكأن احدهم صفعه، لم يكن ليتخيل ان هذا قد يحدث لقد ولد الطفل سليم معافى بصحة جيدة، يملأ الدنيا مرح ولعب في تلك المرات التي أتت به جدته إلى هنا؛ لينعم الجد برؤية حفيده دون أن يشعر أنه يستجدي وجوده من معتز الذي اصبح قوي القلب، واستطاع ان يستغني عن كل شيء من أجل امرأته، وكأنها أهم عنده من كل ما يملك والده..


_ في علاج

 هتف بالكلمة فردت زوجته


_ بس محتاج وقت


_كل الوقت اللي محتاجه مش مشكلة، المهم أنه يتعالج


 انهى كلامه وهو يجري اتصال بأبنه أول اتصال بعد تلك المواجهة بينهم في الوقت الذي كان فيه معتز يحاول أن يدعي المرح، وهو يتناول الطعام مع زوجته، يلمح بأشياء كثيرة لكنها لم تستطع ان تجذبها من تلك الهوة التي تغوص فيها.. 


صوت الهاتف ورقم والده جعله ينتفض من الداخل، رغم ثباته الخارجي

_ السلام عليكم


_ عليكم السلام يا سيدي انت ازاي مروان يبقى تعبان وما تقوليش


_ المفروض اقولك؟ 


_ المفروض تجيني، مش تقول لي مروان ده حفيدي، وانت عارف انه يهمني.. 


_متأكد.. اذا كنت انا نفسي مش مهم عندك، ابني هيبقى مهم يا بابا


_ انت بتقول ايه؟ انت مستحيل تكون غبي للدرجة دي يا باشمهندس.


_ لا مش غبي بس سيادتك كنت واضح أوي؛ أن كان اهم حاجه عندك ان اتبع قرارك، اكون تابع ليك بيبقى معايا كل حاجة، او اخرج من تحت جناحك وما يبقاش معايا الهوا ، بس ده مش  مهم الوقتي، وبعدين ابني مش مريض ابني عنده نوع من اضطراب قابل العلاج.. 


_محتاج كام؟ 


_هي دي اللغه اللي بتتكلم بيها 


_تقصد أيه؟ 


_اوقات كتير الفلوس ما بتعملش حاجة، انا لفيت القاهرة كلها على حقنة، ممكن تساعد ابني في تخفيض درجة الحرارة، قبل ما تضرب خلايا المخ، ومع ذلك ما لقيتهاش صعبت على صيدلي، اتصل بزمايله في كل مكان في القاهرة، يقدروا يوفروا لي الحقنة، ما كانش في نتيجه كان عندي استعداد أبيع عربيتي تليفوني ابيع شقتي، ابيع هدومي وما ألجاش ليك، ما احطش أيدي تحت ضرسك مرة ثانية، عشان تقدر تتحكم وتأمر وتنهي وتقرر مصيري كأني طفل..


_ انت اتجننت احنا عيلتك هو ده وقته.. 


_مش فاهمك!


_ لا فاهمني يا معتز كويس، فاهم ان ده مش وقت انك تثبت انك أقوى من غيري، أو مش محتاج لي احنا الاثنين يهمنا مروان.. 


_وانا ما يهمنيش في الدنيا غير مروان ومراتي وبس 


_تقصد أيه يا ولد؟


_لسه ما خدتش بالك اني مبقتش ولد، واقصد ان أختياراتي ما اتغيرتش، لو فاكر ان  حضرتك  هتدخل في حياتي مرة ثانية وتقرر نيابة عني، فانا بقولها لك من دلوقتي، انا مش محتاج مساعدة، مش محتاج المساعدة اللي ممكن تخليني.. 


ترك كلامه معلق ولكن والده فهم جيدا ماذا يعني؟


معتز: مضطر اقفل..


 ولم يلبث أن أغلق الخط نظرت له سما بصدمة، لم تتخيل أنه يستطيع أن يتكلم مع والده بهذه الطريقة لم تتوقع أنه حتى الآن يضعها أولى إختياراته هي وطفله، لا يريد ان يرجع للرفاهية التي كان يعيش فيها حتى لو وضع في الميزان..


 تركت ما في يدها واقتربت منه، تلقي بنفسها بين ذراعيه تضمه وكأنها تستغيث به من تلك الأمواج المتضاربة التي أصبحت تعصف بها ،  حاول ان يخفف عنها، وهو يبتسم ويقول:


_ طب ما أنا كنت بقول لك... 


_ بتقولي..


 رفع حاجب واحد جعلها تضحك بصوت مرتفع، مما جعل قلبه يبتسم فلقد استمع إلى ضحكتها اخيراً؛  شهران مضوا ربما أكثر لم تبتسم فيهم، والآن تستطيع ان تضحك بصوت مرتفع، قربها منه أكثر وهو يقول: 


_هتعدي.. حاجات كثيرة هتعدي وأحنا مع بعض 


_متأكد اننا هنفضل مع بعض


_ عندك شك


_ مش عارفه


قربها منه كان بطعم الأمل مغموس بالشوق، ممزوج باللهفة وفي اليوم التالي كانوا معا، في ذلك المركز الخاص بجلسات التخاطب، ظلوا ينتظرونه حتى إنتهت الجلسة، ولكن أبنهم لم يعطي اي رده فعل، ولم تكن تلك الجلسة الوحيدة التي لم يستجب فيها للطبيب..


 مر وقت طويل شهور متتالية وهم يسعون ولم تأتي نتيجة كانت والدته لا تنفك ان تأتي.. 

 تقربت من سما بطريقة ملحوظة، وكأنها ليست تلك المرأة التي كانت رافضة لها كل الرفض، وترى أنها لا تليق بابنها ذو المكان والمال، ولكن في المحن تتقارب النفوس، الرفض الصريح في عين مروة أختفى، اصبح هناك سعي وأمل من أجل أن يتحسن مروان، اصبحت سما غير متحفظة معها تنتظرها في الأوقات التي اعتادت أن تأتي فيها، تسمح لها بأوقات كثيرة مع طفلها تجعلها تطعمه تلك الأطعمة التي يحبها، فكان يفتح فمه ويستجيب..


 حينما تنظر لها بإبتسامة تؤكد لها أنها لو أعطته نوعا آخر لن يفتح فمه، كان الأمل يتسرب إلى نفسها هي الأخرى، لكن بعد تلك الشهور من عدم الاستجابة في ذلك المركز قرر والده ان يغيره ليس شكا في المختص نفسه، لكنه قارن الأمر  حينما رفض الطعام ورفض أن يفتح فمه وتكرر الأمر مرة أخرى ....

وقدمت أمه نفس الأكل له، كأنها كلما أرادت أن تحصل على إستجابة منه،  حتى لو كان رفض بسيط، تفعل شيء لا يحبه تقرب منه طعام لا يشتهيه، فكان الرد ان يطبق شفتيه، كأنه لا يريد وكأنه يغلق باب روحه مع فمه.. 


فلما لا يكون الحال مع الطبيب نفسه 


 تلك الشهور لم تؤتي ثمارها مع ذلك المختص، فقرروا ان يغيروه لآخر ؛ بحثا عن  إستجابة ... 


وبعد شهور أخرى كانت نفس النتيجة تقريبا، الإستجابة صفر بعد رحلة من اليأس كاد  معتز أن  يلملم فيها نفسه، ويكتفي بما يعيشونه ...  أن وجود مروان  في البيت نفسه اهم من اي شيء..


 اتت الجدة كعادتها تقضي اليوم معهم، وتحمل الأخبار لزوجها الذي إلى الآن يكابر يدرك أنه لا يستطيع أن يواجه أبنه بعد أن صرح معتز  بما يعتمله  بداخله..


 لكن مروه ما ان جلست حتى قالت..


 مروة: انا خدت ميعاد عند الدكتور محمود صبري


 نظرت لها سما بإستفسار  وقالت: سلامه حضرتك فيك ايه؟


_ مش ليا 


ظهر التساؤل على  وجه سما ،  وعقلها يفكر في شئ واحد،  وهي تردد بداخلها هل بدأت الرحلة باكراً هل ستطالبها بأن تأتي بحفيد آخر مرة اخرى، ولكن رد مروة كان مختلفا عما توقعت، وهي تقول:


_ لمروان .. دكتور جامعي عنده مركز تخاطب وليه نجاحات كتيره  مع حالات للتوحد.. 


_حضرتك بتدوري له على دكتور احسن


_ مش انا


 نظرت لها باستفسار ولكن الاجابة كانت صادمة لزوجها، الذي كان ينظر لأمه يريد ثبر أغوارها  ويعرف  ردها  الذي جعله ينتبه كلياً وهي تقول: 


_جده هو إللي تواصل مع الدكتور وقدر ياخد ميعاد، رغم ان الدكتور مشغول جداً..


 كان صراع النظرات بينه وبين أمه قوياً وهو يريد أن يعرف، إن كان كلامها صحيح، ان والده من اهتم وبحث عن طبيب أفضل، ام هي فقط تحاول تجميل الصورة، الرد الوحيد  لما بداخله 


_ده حفيده الوحيد 


#روايات_بقلم_نورا_محمد_علي


 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-