أخر الاخبار

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد على الفصل الثامن

عالم موازي

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد على الفصل الثامن

رواية عالم موازي بقلم نورا محمد على
 الفصل الثامن

 كانت سما تمسك القلم في يدها وهي تدون كل شئ يفعلها صغيرها كما طلب الاخصائي  بعد الجلسة الاولى.. 


كان ما أن بدأت تحكي حتى تذكرت كيف كانت تعمل موظفة في أحد المصانع  ... 


كيف كانت حياتها قبل وجود معتز بها؟ طالبة جامعية تعمل في العطلات الصيفية فقط لتحسن من وضعها المادي، وتكفي إحتياجاتها الخاصة تثري خزينة ملابسها ببعض القطع الجديدة، قبل بداية العام الدراسي.. 

كانت منهكه وهي تنهي يوم عمل طويل تعرف في قرارة نفسها إن اجرها الزهيد لا يساوي كل هذا التعب، ولكن افضل من لا شيئ.


كانت تتكلم مع زميلتها منار في أحداث اليوم  وهي تحصي المرتب وما يجب ان تفعله به، وهي تسير بجوارها 

منار: ضروري تشتري هدوم 

سما: انتِ شايفة ايه؟ لو معملتش كده هكلف بابا كتير، وانا عارفة انه بيعمل كل حاجة علشانا، تعرفي أنه كان رافض اني اشتغل، وزعل مني وقال "هو انا قصرت؟ دا انا عامل جمعية مع زمايلي في الشغل عشان  دراستك، كتبك ، وهدومك، ومصريف الجامعة زي السنة اللي فاتت".. 


منار: ابوكي  حنين أوي يا سما.. 

سما: آه ربنا يخليه لينا، انا واخواتي البنات، انتِ عارفة عمره ما حسسنا انه زعلان عشان مفيش ولد يشيل معاه، ويحمل اسمه رغم اني عارفة الظروف كويس، إلا أنه عمره ما قال ليا أو لخواتي مفيش... .


كانت تسير وهي تتكلم إلى أن انتهى الممر وظلت تقف معها، تكمل حديثها، غافلة عن ذلك المهندس الشاب الذي كان يسير خلفهم، لا يريد ان يتعجلهم  رغم انه في عجلة من امره، لكنها ليست المرة الأولى التي قابل فيها تلك الجميلة  في المصنع، لذا كان يبتسم وهو يستمع إلى كلامها ويدرك انها  جميلة من الداخل كجمالها الخارجي.. 


التفتت تنظر له بدهشة وابتسامة تشق شفتيها رغم عنها، وهي تهمس بخجل وبداخلها تتمني ان يكون اقترب للتو، ولم يستمع إلى كلامها مع منار 


سما: اسفين لو عطلنا حضرتك يا باشمهندس


معنز: مفيش عطلة ولا حاجة، بس انتو واقفين كده ليه ؟


منار: ولا حاجة كنا بنقبض وواضح اننا اتاخرنا و  الباص مشي 


معتز: تحبوا اوصلكم؟ 


منار: معاك عربية؟ 


 ابتسم فهو يتعمد أن يأتي قبل الجميع ويذهب بعدهم ووحتى لا يعرف احد من هو بالتحديد،  لكن في هذه الحالة هو مضطر، أشار إلى تلك الواقف على مسافة قريبة والتي جعلت رأس منار يدور، بيننا سما كانت تضرب قدم صديقتها وهي تهز راسها بالنفي..

 

معتز: مش فاهم يا سما بتهزي راسك بلا  ليه؟ 

سما: انا.. 


ابتسم لها وهو يرى حمرة الخجل تتصاعد على وجهها، تشق طريقها إلى قلبه وهو يقول:  اكيد انت .. اتفضلي وأشار إلى السيارة مرة اخرى.


_ مينفعش  ومش عاوزين نتعب حضرتك 


_حضرتي مش هتعب لما اوصلكم.. 


_ بس انا مش هقدر اركب معاك عربيتك


_انت مش لوحدك يا سما


_حتى لو 


منار تدخلت لتبرر: يا سما بلاش  عند، الوقت اتاخر والمنطقة فاضية ومش هنلاقي مواصلة... 


كلامها صحيح، لكن كيف? هي التي تبتعد عنه قدر الامكان، تشعر بالحصار الذي يفرضه عليها بعينيه التي تتبعها أينما ذهبت، ولكن منذ متى بدات تشعر بتلك الموجة بداخل قلبها؟  منذ متى بدأت تخجل مما تشعر به، وتنهر نفسها بأنها من عالم وهو هو من عالم أخر  فلقد عرفت رغم حرصه انه ابن صاحب المصنع، هو فارس من الأحلام ومنذ متى تتحقق الأحلام في العالم الواقعي!


لم يتلقى رد منها رغم ان كلام صديقتها صحيح... 


معتز:  انا مش هقدر اسيبكم وامشي، ممكن تلفون والدك 


ـ ايه.. ليه؟ 


_هتصل بيه واعرفه الوضع 


_ انا... 


ردت منار لان الوقت تاخر بالفعل: اكتب يا باشمهندس 010.. . .  اصل انا عارفة ان دماغها صخر.. 


وقد كان اتصل بوالدها واخبره بالوضع، وبرفض ابنته ان تركب معه السيارة، وتحرك بعيد عنهم ليتكلم معه في شئ آخر... لم تعرفه في وقتها


بعد وقت كانت تركب في المقعد الخلفي بينما ينظر لها في مرآة السيارة يطارد عينيها التي تتهرب منه


ها هو يوقف السيارة امام بيتها، ووالدها يقف امام البيت المتواضع في ذلك الحي الشعبي، وهو يسلم على معتز ويطالبه بالصعود .


معتز: لو في قبول للكلام إللي قولته لحضرتك هطلع.. 


عبد الرحمن: شكلك مستعجل 


معتز: بالعكس انا استنيت سنة كاملة والنهاردة اخر يوم ليها في المصنع، وده كان السبب اللي خلاني اتقدم.. 


استمعت إلى كلامه مع والدها، ونظرت له بصدمة.. 


ألا يدرك الفرق ببنهم؟ هي ابنة البيئة الفقيرة والطبقة التي اصبحت اقل من المتوسطة،  وهو ابن الطبقة المخملية، جده الأكبر كان باشا ووالده من بشاوات هذا الزمان.. 


يملكوت المصنع الذي تعمل فيه، وعدة مصانع اخرة وسلسلة شركات والكثير من الأموال والاسم العريق، وهي مقارنة به وبعائلته تساوي صفر، في النهاية انتهي زمن المستحيل... 


رجعت من افكارها على نظرتها لطفلها وتلك الكلمات التي كتبتها وهي تقول: 

_ بس شكل المستحيل  اوقات بيتحقق!!


 ابتسمت وهي تنظر لصورة عرسهم وذلك العرس الذي ما كانت تحلم به، تمر في عقلها تلك السنوات المحملة بذكريات، كان لها داعم في اكثر من نطاق..  


اكملت تعليمها بعد زواجها منه ، كان نعم الزوج والحبيب والصديق،  كانت تتورط في عشقه كل يوم عن ما قبله.. 


وها هي تبتسم كلما تذكرت لحظاتهم معا ورغم كل ما عانته من عائلته، لو عاد بها الزمن لتمنت ان تعاد قصتهم مرة أخرى.. 


تحركت إلى المطبخ، لتعد الطعام  وتكرر نفس الطعام لمروان وهي تفكر كيف تبدل فرش الغرفة دون ان يثور.. 


هو متمسك بذلك الفرش رغم انه كادت ان تتسخ.. 


رن جرس الباب فابتسمت ظنت انه معتز، كانت تقترب من الباب وهي تبتسم 


مروة: مساء الخير يا سما


سما: مساء الورد  اتفضلي


_ معتز فين؟ 


_ لسه ماجاش  تعالي، في حاجات كتير  حصلت من آخر مرة كنت فيها هنا.. 


_  حصل ايه طمنيني، روحتوا للمركز؟ 


_ آه.. 


_ ها طمنيني 


_ اتحرك.. 


ابتسمت مروة بسعادة وهي تركض لغرفة مروان  الذي كان يغفوا، وما ان اقتربت من الفراش فتح عينيه وهو ينظر لها لكن عينيه تحركت  وهو ينظر إلى امه.. 


سما: صباح الورد  يا مارو 

لم تتلقي رد…  فاكملت


_جعان يا قلبي انا عملت ليك مكرونة وبانية 

هز رأسه بموافقة 


سما: شوفت تيتا جات تشوف مارو وجابت حاجات كتير.. أيه رايك تشوف اللعب اللي تيتا جابتها؟ 


ظل يزوم دون توقف 

_طيب شوف الشيكولاتة  دي تيتا جايبة منها ليك 


نظر لتلك العلبة البراقة ومد يده.. كادت مروة ان تعطيه كل ما معها 


سما: لا واحدة بس 

نظرة لها بدهشة ورفض 


_ده كلام الدكتور.. 


هزت راسها بموافقة واعطت له قطعة واحدة بدأ يخرجها من الغلاف وهي تبتسم وتنظر لزوجة ابنها بسعادة 


_ده كان حالي اول ما اتحرك الدكتور سمح لينا اننا نحضر اول الجلسة  عشان خاطر عزام باشا، عارفة كنت حاسة بايه؟ وهو بيمد أيده ياخد الشكولاتة.. عينه اتحركت ايده اتحركت انا ومعتز كنا في عالم تاني، بس انا بستغرب ازاي شافك. عادي.. 


_ نعم  انت مش كنت عاوزني اجي؟  وبعدين ليه قوضته كده؟ ليه فرش السرير مش نضيف ده  اخر مرة كنت هنا كان نفس الفرش.. 


ده حقيقي بس أتغسل اكتر من مرة 


_ماتفهمنيش غلط انا مابدخلش بس مش معقولة مفيش غير الطقم ده! 


_لا حضرتك فيه بس لون تاني 


_ وفيها ايه؟ 


_هقولك اللي حصل في الجلسة التانية كان كارثي  لكن لما تشوفي بنفسك هتفهمي 


كان مروان يتحرك على مقعده في حركة رتيبة وهو ياكل الشيكولاته، بينما سما فتحت دولاب غرفة مروان لتخرج طقم آخر لتقوم بتغير الفراش ما ان انتبه لما تفعله حتى القى الحلوة من يده، واخذ يصرخ بصوت مرتفع، يلقي كل شئ  أمامه وهو ينقل عينه في المكان  ، كانه يبحث عن شئ 


شعرت مروة بالحزن يمزق نياط قلبها وهي تنظر لسما باستفسار.. 


_ زي ما حضرتك شايفة عملنا كل حاجة عشان يخرج  من القوقعة اللي كان فيها ونخرجه من العالم الموازي اللي هو فيه، بس خرج زي ما حضرتك شايفة، عينيه كامير بيحفظ المكان بنفس الشكل، هياخد وقت على ما يتعود عاوز تكرار لكل شىء وكمان في ضجة كبيرة في عقله  


كانت تتكلم وهي تغير الفرش مرة اخرى لذلك الذي يفضله ابنها 


مروة: انت بتعملي ايه  وسايباه يصرخ 


سما : بحاول اخليه يهدي  


_ازاي؟ 


_هتشوفي 


وما ان انتهت حتى عاد إلى الهدوء وهو ينظر إلى المكان، يبحث عن خطأ بداخله،  وما ان تأكد أن كل شئ في مكانه حتى سكت 


_ يعني 


_بحاول انا ومعتز نلاقي  نفس الطقم ده ونفس الخامة واللون لأنه رافض غيرهم، وانا ما صدقت انه يفتح عينيه ويتكلم معايا، او يرد عليا  انا فضلت سنة كاملة وانا بدعي يخرج من العزلته، لما يبدا العلاج يجيب نتيجة ..هعترض !


أربتت مروة على كتفها وهي تبتسم لها وتقول: 


_عندك حق بس بدل استجاب هيبقى فيه تحسن المهم اشغليه على ما أصور المفرش 


وبدات بالفعل تلتقط الصور اتصلت باحد المحلات الراقية التي تتعامل معها، وطلبت دستة من نفس النوع واللون  وكذلك تلك الملابس التي يرتديها 


سما:  معتز هيرفض 


مروة: براحته، لما ابقى اجيب ليه يبقى يتكلم



كانت تتكلم غافلة عن معتز الذي يقف من فترة ينظر لمروان ولزوجته وعلاقتها التي تحسنت هي وأمه.. 


معتز:  أنت شايفة كده يا امي؟! 


زمت فمها وهي تقول:

_ آه أنا مش بجيب ليك حاجة، انت وضحت بما فيه الكفاية انك مكتفي باللي معاك، رغم اني شايفة  ان الوقتي مبقاش فيه اللي يخليك بعيد.. 


نقل نظرة بينها وبين زوجته وهو يقول: خليني برحتي 


_ابوك عاوز يشوف مروان.. 


سما: هحضر الاكل.. 


 توقفت عن اكمال كلامها وهي لا تعرف ماذا عليها ان تفعل؟ هل تتدخل أم تظل على حالها في المنتصف..؟ 


معتز: انت شايفة حالة مروان، طيب عارفة ان ممنوع نفاجأه أو نخرجه الدكتور طالب سماعات  عشان يحطها على راسه بس كمان شوية، وبيحاول يخرجه من الموجة دي شوية شوية، لو تعرفي عمل ايه لمجرد انه دخل  لمكتب الدكتور لقى حاجة ناقصة، كان هيكسر الدنيا 


_ سما قالتلي


_ يبقى اكيد فاهمة اني مش ممانع والله.


_ متأكد ؟


_ بتسألي دي مش اول مرة تاخديه معاكي الفيلا !


 هزت رأسها بموافقة فابنها لن يتعمد ان يبعد حفيدهم عنهم،  لكن علاقته بأمه اقرب من علاقته بوالده… 

لم يمر وقت حتى كانت خدمة التوصيل توصل الملابس والمفروشات التي طلبتها مروة .


كاد مروان ان يدفع إلا ان نظرة أمه جعلته يتراجع


في اليوم التالي كان معتز يجلس مع سما  يخبرها بحال يومه، الذي كان متعب بكل المقايس وهي نفسها تنظر له بدعم مغلف بالعشق، وهي تفكر هل هذا هو نفس الشاب المرفه الذي عشقها؟ وسؤال يطرح في عقلها هل تستحق كل هذا؟ 


اخرج من افكارها صوت الباب.. 


تحرك ليفتح لكنه وجد اخر شخص يتوقعه ببابه.. 


وجد والده «عزام باشا البدري» الذي كان اتهمه بانه يحاول إهانة اسم العائة بسكنه في تلك الشقة.. 

ها هو يقف ببابها! 


صراع من النظرات بينهم 

اقتربت سما لترى لم زوجها على هذه الحالة 


همست بخجل ممزوج بالخوف 


_اتفضل حضرتك. 


نظر لها ثم رجع ينظر الى ابنه وهو يقول:


_ وانت مش هتقولي  اتفضل 


_ والله نفسي بس المشكلة ان المكان مش قد مقامك 


نظر له بغضب وهو يقول:


_ كويس انك عارف ومع ذلك جيت مش عشان المكان عشان السكان 

نظر له بدهشة 


_انا جاي لحفيدي.. 

تحرك معتز ليسمح له بالدخول دون ان ينطق 


سما  اشارت الى غرفة طفلها وهي تقول: من هنا اتفضل حضرتك..


 وقف بالباب ينظر لحفيده النائم ودون ان يشعر اقترب من الفراش، ليحرك يده في خصلات شعره.. 

فتح الصغير عينيه ينظر لذلك الذي يداعبه يبحث في خلايا عقله عنه، وما ان تذكر تلك الصورة الراسخة في عقله، عن بيت اخر وذلك الرجل يتلاقاه في حضنه حتى ابتسم… 


نظرت سما لزوجها وهي لا تكاد تصدق ما يحدث امامها، هل ما تراه حقيقي؟ هل ابتسم مروان ام يختال عليها الامر.. 


فتح عزام ذراعيه فالقى الفتى جسده الصغير بين ذراعي الجد وهو يقول بابتسامة: 

_ جدو…. 


الدهشة على وجه الجميع  كانت واضحة  بينما تتعلق قلوبهم بالامل، وهم ينتظرون  الغد الذي يمنون أنفسهم بأن يكون افضل… 



للحكايا بقية

الى اللقاء في الجزء الثاني 

من عالم موازي 

#روايات_بقلم_نورا_محمد_علي  

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-