google.com, pub-6802150628270214, DIRECT, f08c47fec0942fa0 نوفيلا احلام على حافه الهاويه بقلم فهد محمود كاملة
أخر الاخبار

نوفيلا احلام على حافه الهاويه بقلم فهد محمود كاملة

احلام على حافه الهاويه

نوفيلا احلام على حافه الهاويه بقلم فهد محمود كاملة

نوفيلا احلام على حافه الهاويه 
بقلم فهد محمود ، كاملة 

الفصل الأول 


تسللت أشعة الشمس الأولى إلى نافذة الغرفة، لترسم خطوطًا ذهبية على وجه رامي الذي كان مستلقيًا على سريره، وعيناه مثبتتان على السقف كأنما يبحث فيه عن مخرج لحياته المعلقة. كان الصمت يلف المكان، لكن داخله كان يعج بضجيج لا يهدأ؛ صراع متواصل بين قلبه الذي ينبض بحلم الطفولة وعقله المثقل بقرارات عائلته. 


نهض أخيرًا، بخطوات ثقيلة نحو المرآة، وتأمل وجهه الذي بدا عليه الإنهاك رغم صغر سنه. همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:

"هل أنا جبان أم فقط ابنٌ مطيع؟ هل الطاعة تستحق أن أحرق حلمي؟" 


قطع شرودَه صوتُ طرقات قوية على باب غرفته. كان والده يقف هناك، بهيبته المعتادة وصوته الحازم:

"رامي، ألم تنهض بعد؟ لديك موعد مع عمك لتقديم أوراقك لكلية الهندسة اليوم. لا وقت للتأخير." 


كلمات والده وقعت عليه كصفعة، لكن لم يكن لديه الجرأة للرد. اكتفى بإيماءة خافتة، قبل أن يتوجه إلى الحمام ليخفي ملامحه الغاضبة عن والده. 


بعد دقائق، كان يجلس في غرفة الطعام، محاطًا بعائلته. والدته، كما العادة، كانت تحاول تخفيف حدة الأجواء بابتسامتها الحنونة. لكن ذلك لم يكن كافيًا لكسر الجدار الصلب الذي وضعه والده بينهما. قال الأب بصرامة وهو يضع فنجان قهوته على الطاولة:

"رامي، هذا القرار ليس للنقاش. الهندسة هي مستقبلك. نحن نبني إرثًا، وأنت جزء من هذا الإرث. ليس لدينا وقت للأحلام الطفولية." 


رفع رامي عينيه ببطء، ونظر إلى والده مباشرة، وهو يحاول أن يجد الكلمات المناسبة. لكن قبل أن ينطق، قاطعه شقيقه الأكبر مازن، الذي كان دائمًا يمثل صورة الابن المثالي للعائلة:

"أبي على حق. الهندسة ستمنحك مستقبلًا مستقرًا، وليس مجرد مغامرة محفوفة بالمخاطر كأن تصبح ضابطًا." 


ابتلع رامي كلماته مرة أخرى. كان يدرك أن النقاش معهم أشبه بالوقوف ضد عاصفة عاتية. لكنه، في داخله، قرر أن هذه المرة لن يستسلم بسهولة. 


في المساء، حينما هدأت الأجواء في المنزل، تسلل إلى غرفته وأخرج من حقيبته ملفًا صغيرًا. كان يحتوي على استمارة التقديم لكلية الشرطة التي خبأها بعيدًا عن أعين الجميع. جلس على مكتبه، وبدأ يملأ الاستمارة، وكأنما كان يكتب اعترافه الأخير لنفسه:

"ربما أفشل، ربما أخسر، لكن لن أخون نفسي." 


لم يكن يدري أن والده، الذي ظن أنه نائم، كان يقف خلف الباب يراقب صمتًا. نظرة حازمة ارتسمت على وجه الأب، وخرج دون أن يُشعر ابنه. 


في اليوم التالي، بدأ أول اختبار لرامي، لكنه لم يكن في كلية الشرطة أو الهندسة، بل في قلب منزله، حيث كانت العاصفة على وشك أن تبدأ. 


كان الهواء في المنزل يعبق بشيء من التوتر، وكأن كل شيء يسير بسرعة نحو نقطة حاسمة. رامي استيقظ قبل الجميع، وهرع إلى غرفته ليلملم أوراقه بعناية، يضع استمارة كلية الشرطة بين يديه كأنها كنز ثمين يخشى أن يضيع منه. كان يعلم جيدًا أن خطوته القادمة ستكون حاسمة. فإذا فشل، سيكون ذلك يعني نهاية حلمه، وإذا نجح، فسيكون قد اختار الطريق الذي طالما رآه يلمع أمامه كلما اغتسلت روحه بأحلام العدالة والإنصاف. 


لكن ذلك اليوم لم يكن كأي يوم آخر. بينما كان رامي يستعد للمغادرة، وصل صوت والدته من المطبخ:

"رامي، لا تنسى، اليوم هو موعدك مع عمك. الهندسة أولاً، ثم يمكن أن تفكر في أي شيء آخر." 


كلمات والدته كانت دائمًا تحاول التخفيف من حدة الوضع، لكنها لم تكن تدرك أنها كانت تزيد من شعور رامي بالعجز. فقد أصبح الصوت الأوحد في حياته هو صوت والدته ووالده، وكأنهما لا يعترفان بوجود شخص آخر بداخله، ذلك الشاب الذي كان يطمح لأن يكون أكثر من مجرد ظل في حياة عائلته. 


دخل رامي إلى غرفة الجلوس وهو يبتسم بشكل مصطنع، فاستقبله والده بنظرة قاسية:

"هل أتممت استعداداتك؟" 


أجاب رامي بارتباك:

"نعم، أبي، أنا جاهز." 


أخذ والده يمشي حوله كأنه يقيّمه. نظر إلى عينيه ثم قال بصوت منخفض، لكن حازم:

"تذكر، لا مجال لأي تراجع. هذا قرارنا، وإن كنت ترغب في خلاف ذلك، فسنواجه عواقب الأمور معًا." 


شعر رامي بثقل الكلمات كأنها غمامة قاتمة تمطر على قلبه. تردد للحظة، ثم اجتمع كل ما تبقى من عزيمته ليقول:

"ولكن، أبي... ما ذنبي إذا كان حلمي أن أصبح ضابطًا؟ أن أحقق العدالة؟" 


فجأة، تحولت ملامح وجه والده إلى البرود التام، وكأن رامي لم ينطق بشيء. "أنت لست في موقع لتفكر في هذه الأمور. قرار العائلة أكبر من مجرد حلم طفل." ثم أضاف بحسم:

"الهندسة ستكون مستقبلك، وأنا أؤكد لك هذا." 


رحل رامي في تلك اللحظة مع عمته، ولكن رغم كل ما في داخله من مشاعر متضاربة، لم يستطع أن يُخفي ملامح الصراع التي ارتسمت على وجهه. كان الطريق الذي يسلكه مليئًا بالحواجز، وصوت التردد بدأ يعلو في عقله. 


كان لقاء عمته الذي ظن أنه سيحمل بعض الراحة له، مجرد روتين يومي. كل شيء كان مهيئًا لاستقباله في كلية الهندسة، حيث يذهب في موعده المحدد، ويجتاز جميع الإجراءات كأي طالب آخر. لكن بينما كان في طريقه إلى القاعة المخصصة للتقديم، دخل في حالة من العزلة الداخلية. أحس كأن قلبه يغرق، يشتاق لذلك الحلم الذي أصبح بعيدًا، وفي كل خطوة كان يخطوها، كان يشعر وكأن الأرض تنسحب من تحت قدميه. 


وصل إلى القاعة، وسار بهدوء نحو طاولة التسجيل حيث كان يجلس موظفٌ يبدو عليه الإرهاق. "أنت هنا من أجل تقديم أوراق كلية الهندسة؟" سأل الموظف، بينما رامي يهز رأسه بالإيجاب، وهو يشعر أن جسده في مكان آخر. 


"نعم، ولكن... هل من الممكن أن أستفسر قليلاً؟" 


نظرت إليه الموظفة وقالت:

"بالطبع، إذا كنت بحاجة إلى استفسار، يمكنك أن تسأل." 


"هل... هل يمكنني التقديم لكلية الشرطة في ذات الوقت؟" تساءل رامي في صوت منخفض، مترددًا. 


سادت لحظة من الصمت بينهما، قبل أن تبتسم الموظفة قليلًا وتجيب:

"أعتقد أنه سيكون صعبًا، ولكن من الممكن دائمًا التواصل مع الجهات المختصة." 


كان قلب رامي يتسارع في تلك اللحظة، فبعدما أدرك أن حتى هذه الخيارات كانت محاصرة، شعر وكأن مستقبله أصبح داخل صندوق صغير، مغلق، لا أمل له بالخروج منه. 


بينما هو يفكر في ذلك، دخلت الحجرة عائلة أحد زملائه، كانوا يتحدثون عن شرف العائلة وكيف أن من يُقبل في كلية الهندسة يعتبر فخرًا للعائلة بأكملها. وكأن الصوت كان يضغط على أذنه، مُذكّراً إياه أنه سيظل دومًا محاصرًا بين رغبات عائلته وحلمه. 


حينما انتهى من تقديم أوراقه، عاد إلى السيارة. صمتٌ ثقيل بينه وبين عمته، حتى وصل إلى المنزل. 


حينما دخل غرفته، أغلق الباب خلفه وكأنما يفصل نفسه عن العالم. قبع في الظلام، وأخذ يغمض عينيه، ليعود إلى اللحظة التي كان يراها في كل مرة في أحلامه: يرتدي الزي العسكري، يقف شامخًا في مركزه، وتأتي النجوم على الأرض لتحييه. ولكن هذه المرة، كان الحلم يبدو أكثر ضبابية، لا يراها بوضوح كما كان يفعل في الماضي. 


هل كان مستعدًا للتخلي عن ذلك الحلم؟ هل سيتقبل أن يظل مجرد جزء من قالب صنعه الآخرون؟ أم أن الطريق أمامه ما زال مفتوحًا لتحقيق ما يريده؟ كان يعرف أنه لم يعد يستطيع الهروب من الحقيقة: يجب عليه أن يتخذ قرارًا، ولن يكون هناك وقت للندم.


الفصل الثاني 

مرت الأيام ببطءٍ خانق، كل دقيقة كانت تضيف طبقة جديدة من الحزن إلى قلب رامي. أصبح يمضي وقته بين الدراسة للالتحاق بكلية الهندسة، وبين أحلامه التي كانت تصرخ داخله تطالبه بعدم الاستسلام. كان يتظاهر بالطاعة أمام والده، لكن كل خطوة يخطوها كانت تحمل خلفها خطة سرية تقوده نحو حلمه. 


في إحدى الليالي، جلس رامي في غرفته، ينظر إلى الملف الخاص بكلية الشرطة الذي خبأه بعناية أسفل خزانة ملابسه. قلبه ينبض بقوة وهو يخطط خطوته القادمة. كان يعلم أن مواجهته مع والده ستكون أقرب مما يظن، لكن الانتظار كان قاتلًا. 


أثناء تفكيره العميق، قُطع صمته بصوت طرق خفيف على الباب. كانت والدته. دخلت الغرفة بهدوء وجلست بجانبه، تنظر إليه بعينيها الممتلئتين بالقلق.

"رامي، يا حبيبي... أعرف أنك لست سعيدًا. لكن صدقني، كل ما نفعله هو لمصلحتك." 


تنهد رامي بعمق وقال بنبرة منخفضة:

"أمي، أعلم أنكم تريدون الأفضل لي، لكن... كيف يمكنني أن أعيش حياتي وأنا أشعر أنني أخون نفسي؟" 


وضعت والدته يدها على كتفه وقالت بلطف:

"الحياة ليست دائمًا كما نريدها، يا بني. أحيانًا علينا أن نضحي بأحلامنا من أجل الأسرة." 


نهض رامي فجأة وقال بحزم:

"ولكن لماذا يجب أن أكون الوحيد الذي يضحي؟ لماذا لا تُعتبر أحلامي جزءًا من هذه الأسرة؟" 


كانت كلماته أشبه بخناجر تطعن قلب والدته. لم تجد ردًا عليه، فقط غادرت الغرفة بصمت وهي تمسح دموعها. 


في اليوم التالي، قرر رامي أن يبدأ بتنفيذ خطته. استيقظ مبكرًا وارتدى ملابس عادية، ثم حمل حقيبته وخرج من المنزل متظاهرًا أنه ذاهب إلى المكتبة. لكن وجهته الحقيقية كانت مختلفة تمامًا. 


وصل إلى مقر تقديم كلية الشرطة. كان المكان يعج بالشباب الذين يشبهونه في العمر والحلم. شعر بأن قلبه ينبض بشدة، وكأنه يقترب خطوة من الحياة التي لطالما أرادها. اقترب من مكتب التسجيل، حيث كان أحد الضباط يجلس هناك مبتسمًا.

"أهلاً بك. هل أنت هنا لتقديم طلبك؟" 


هز رامي رأسه بالإيجاب وهو يناول الضابط أوراقه. شعر بشيء من الراحة يتسلل إلى قلبه. لكن هذه اللحظة لم تدم طويلًا. 


بينما كان يجلس في قاعة الانتظار لاستكمال الإجراءات، تفاجأ بيدٍ ثقيلة توضع على كتفه. التفت ليجد نفسه أمام والده، وجهه مزيج من الغضب والخيبة.

"ماذا تفعل هنا، رامي؟" سأل الأب بصوت منخفض لكنه كان كافيًا ليتسبب في ارتعاش قلب رامي. 


حاول رامي أن يتماسك وقال بشجاعة:

"أنا هنا لأحقق حلمي، أبي. أريد أن أكون ضابطًا، مهما كان الثمن." 


نظر والده إليه بنظرة حادة وقال:

"هل تعتقد أن الحياة لعبة؟ هل تظن أنك تستطيع مخالفة قراراتي هكذا؟ عد إلى المنزل فورًا، ولا أريد أن أسمع شيئًا عن هذا الموضوع مجددًا." 


لكن هذه المرة، رامي لم ينصع. قال بصوت ثابت، وإن كان مليئًا بالخوف:

"أبي، أنا لم أعد طفلًا. هذا حلمي، ولا أستطيع التخلي عنه. أريدك أن تفهم أنني لست عدوك، لكنني أيضًا لست ملكًا لأحد." 


كانت كلمات رامي كالصفعة على وجه والده. للحظة، خيم الصمت على المكان، ثم غادر الأب الغرفة دون أن ينطق بكلمة، تاركًا رامي واقفًا في مكانه، يحاول استيعاب ما حدث. 


عاد رامي إلى المنزل تلك الليلة ليجد العائلة كلها في انتظاره. جلس الجميع في غرفة المعيشة، وأجواء المكان مشحونة بالتوتر. بدأ والده الحديث بنبرة حادة:

"رامي، هذا آخر تحذير. إذا أصررت على هذا الطريق، فستكون وحيدًا. لن أسمح لأي شخص بأن يعارض إرادة العائلة." 


لكن رامي، رغم خوفه، وقف أمام الجميع وقال بحزم:

"أنا أحبكم، وأحترمكم، لكن هذا مستقبلي. لن أعيش حياتي بأكملها نادمًا على شيء كان يمكنني تحقيقه. إذا كان ذلك يعني أن أكون وحيدًا، فسأتحمل العواقب." 


كانت كلمات رامي بمثابة إعلان الحرب. خرج والده من الغرفة غاضبًا، بينما والدته بكت بصمت. أما أشقاؤه، فقد نظروا إليه بذهول، غير قادرين على تصديق ما يسمعونه. 


في تلك الليلة، جلس رامي في غرفته وهو يشعر بمزيج من القوة والخوف. كان يعلم أن المعركة الحقيقية قد بدأت، وأن الأيام القادمة ستكون أصعب مما يتخيل. لكنه كان مستعدًا للمضي قدمًا، مهما كانت العواقب. 


في صباح اليوم التالي، استيقظ رامي على صوت صراخ والده في الطابق السفلي. اقترب من باب غرفته بحذر ليستمع. كان والده يتحدث مع عمه، الذي جاء لمحاولة التوسط في النزاع. 


"أخي، اسمعني. رامي ليس طفلًا. ربما علينا أن نتركه يختار طريقه. ربما إذا أتيح له فرصة، سيعود إلينا أقوى وأكثر ثقة." 


رد والده بغضب:

"لا، هذا ليس اختيارًا! أنا لا أسمح بالفشل في عائلتي. إذا تركته يفعل ما يشاء الآن، فسيتحول كل شيء إلى فوضى. الهندسة هي مستقبله، وليس الشرطة!" 


كانت الكلمات كافية لتدفع رامي إلى الغرفة مرة أخرى. أغلق الباب بهدوء وجلس على سريره، يحدق في الجدار، محاولًا تمالك أعصابه. كان يعرف أن والده لن يتراجع بسهولة، وأن المعركة لم تنتهِ بعد. 


في المدرسة، لاحظ أصدقاؤه تغيره. أصبح أكثر انعزالًا، أكثر هدوءًا. لكنه كان يحمل في عينيه شرارة لم تختفِ. كان كل يوم يمر يجعله أكثر تصميمًا على كسر القيد الذي فرضته عليه عائلته. 


ذات يوم، أثناء فترة الاستراحة، اقترب منه صديقه عمر، الذي كان يعرف رامي منذ الطفولة.

"رامي، ماذا يحدث معك؟ تبدو مختلفًا." 


تنهد رامي وقال:

"لا شيء، فقط بعض المشاكل مع والدي." 


"هل هذا عن كلية الشرطة؟" 


تفاجأ رامي بسؤال صديقه، لكنه لم يستطع إنكار الحقيقة.

"نعم. يريدونني أن أدرس الهندسة، لكني لا أريد ذلك. أنا أريد أن أصبح ضابطًا." 


ابتسم عمر وقال:

"إذا كنت تريد ذلك حقًا، فلا تستسلم. الحياة ليست سهلة، وأحيانًا علينا أن نحارب من أجل ما نريد." 


كانت كلمات عمر بسيطة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في نفس رامي. 


في تلك الليلة، وبينما الجميع نائمون، جلس رامي على مكتبه وأخرج ورقة وقلماً. كتب رسالة طويلة إلى والده، يشرح فيها كل ما يشعر به. كتب عن حلمه منذ الطفولة، وعن كيف يرى أن مهنته كضابط ستكون وسيلته لخدمة الناس والوقوف في وجه الظلم. 


وضع الرسالة على طاولة غرفة المعيشة، ثم عاد إلى غرفته، يترقب ما سيحدث في اليوم التالي. 


مع شروق الشمس، وجد والده الرسالة. جلس يقرأها بتمعن، وصمت طويلًا بعدها. لم يتحدث مع أحد طوال اليوم. كانت الرسالة بمثابة صوت جديد لرامي، صوت لم يكن قد استمع إليه من قبل. 


في المساء، دعا والده رامي للجلوس معه في غرفة المكتب. كان الجو متوترًا، لكن ملامح الأب كانت مختلفة. لم يكن هناك غضب، فقط صرامة ممزوجة بتفكير عميق. 


"رامي، قرأت رسالتك. وأريد أن أفهم... لماذا هذا الحلم مهم بالنسبة لك لهذه الدرجة؟" 


كانت هذه أول مرة يسأله والده عن رأيه. نظر رامي في عينيه وقال:

"أبي، لقد كنت دائمًا أرى الضابط كرمز للعدالة. أريد أن أكون شخصًا يغير حياة الآخرين، يحمي الضعفاء، ويقف في وجه الخطأ. هذا أكثر من مجرد مهنة بالنسبة لي. هذا شغفي." 


صمت الأب مرة أخرى، ثم قال بهدوء:

"سأعطيك فرصة. لكن إذا لم تحقق ما تريده، فأنت وحدك من يتحمل العواقب. لن أساعدك، ولن أكون مسؤولًا عن إخفاقك." 


كانت هذه الكلمات بمثابة شعاع من الضوء لرامي. رغم أنها لم تكن الدعم الكامل الذي يتمناه، لكنها كانت بداية الطريق الذي لطالما حلم به. 


عاد رامي إلى غرفته في تلك الليلة بابتسامة خفيفة. لأول مرة، شعر أن الحلم بدأ يقترب، وأن الصراع الذي عاشه قد أثمر عن شيء. لكنه كان يعلم أن هذه ليست النهاية، بل البداية فقط. طريقه ما زال مليئًا بالتحديات، لكنه مستعد لكل خطوة. 


الفصل الثالث

مرت الأيام سريعًا بعد حديث رامي مع والده، وكأن الحياة أرادت أن تختبر مدى قوة عزيمته. كان والده صامتًا معظم الوقت، يراقبه من بعيد، وكأن الصراع لم ينتهِ بل أخذ شكلاً مختلفًا. من جهة أخرى، كانت والدته تحاول التوفيق بينهما، لكن كلماتها كانت ترتطم بجدار الصمت الذي بناه الاثنان. 


بدأ رامي يستعد لاختبارات كلية الشرطة، يقضي ساعات طويلة في التدريبات البدنية والدراسة. كان يدرك أن كل خطوة خاطئة قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر. لكنه كان مصرًا على النجاح، ليس فقط لإثبات نفسه بل ليُثبت للجميع أن أحلامه تستحق العناء. 


في صباح أحد الأيام، كان رامي يركض في الحديقة العامة كجزء من تدريباته. فجأة، ظهر أمامه رجل يبدو في منتصف الثلاثينات. ملامحه كانت توحي بالصرامة، لكنه ابتسم وهو يقترب من رامي.

"أنت رامي، أليس كذلك؟" 


توقف رامي ونظر إليه باستغراب:

"نعم، من أنت؟" 


أخرج الرجل بطاقة تعريف وأظهرها له:

"أنا الرائد حازم. والدك طلب مني أن أراقب تقدمك وأرى ما إذا كنت جادًا بشأن حلمك أم لا." 


شعر رامي بالدهشة والحيرة. لم يكن يعلم أن والده لجأ إلى شخص خارجي لمراقبته. لكنه لم يُظهر أي انزعاج، بل قال بثقة:

"إذا كنت ستراقبني، فأهلاً بك. لكنني لن أثبت أي شيء لأحد سوى لنفسي." 


ابتسم الرائد حازم وقال:

"هذا ما أردت سماعه. دعنا نرى ما الذي تستطيع فعله." 


منذ ذلك اليوم، أصبح حازم يرافق رامي في تدريباته، يقدم له النصائح ويوجهه. لكن وجود حازم كان أيضًا بمثابة اختبار دائم. لم يكن يترك أي خطأ يمر دون تعليق.

"رامي، إذا كنت تريد أن تصبح ضابطًا، يجب أن تتعلم الانضباط أولاً. لا مجال للتهاون هنا." 


رغم قسوة حازم أحيانًا، إلا أن رامي كان يشعر بأنه يتعلم الكثير. بدأ يدرك أن الطريق نحو حلمه ليس مجرد فكرة رومانسية، بل يحتاج إلى جهد وتضحيات كبيرة. 


مع اقتراب موعد الاختبارات النهائية، ازدادت الضغوط. كان رامي يشعر بأن الجميع يراقبه، ينتظرون نجاحه أو سقوطه. حتى والده، رغم صمته، كان واضحًا أنه يترقب النتائج بفارغ الصبر. 


في ليلة الاختبار الأول، جلس رامي في غرفته يستعد. كان قلبه ينبض بسرعة، وعقله مشغول بالعديد من الأفكار. دخلت والدته الغرفة وجلست بجانبه.

"رامي، أعلم أن هذا ليس سهلاً عليك. لكنني أريدك أن تعرف شيئًا واحدًا... نحن نحبك ونريد الأفضل لك، مهما كانت النتيجة." 


نظر إليها رامي بابتسامة خفيفة وقال:

"شكراً، أمي. لكن هذه المرة، الأمر ليس فقط عن الحب. يجب أن أثبت نفسي. يجب أن أنجح." 


في صباح اليوم التالي، توجه رامي إلى مقر الاختبارات. المكان كان يعج بالشباب، وكل منهم يحمل حلمه الخاص. شعر رامي بمزيج من الخوف والإثارة. كان هذا هو اليوم الذي سيحدد مستقبله. 


بدأت الاختبارات، وكان كل اختبار أصعب من الذي يليه. لكن رامي كان مستعدًا، جسديًا وذهنيًا. كانت الساعات تمر كأنها سنوات، وكل دقيقة تقترب به من الحلم أو تبعده عنه. 


مع نهاية اليوم، جلس رامي في إحدى الزوايا، يلتقط أنفاسه. كان يشعر بالإرهاق، لكنه كان يعلم أنه بذل كل ما لديه. اقترب منه الرائد حازم وربت على كتفه.

"أداء جيد يا رامي. لكن الطريق لم ينتهِ هنا. هذا مجرد بداية." 


ابتسم رامي وقال:

"أعرف. لكنني مستعد لكل ما هو قادم." 


عاد رامي إلى المنزل تلك الليلة، مرهقًا لكن مطمئنًا. جلس مع والده في غرفة المعيشة للمرة الأولى منذ فترة طويلة. كان الجو هادئًا، وقرر والده أن يكسر الصمت.

"رامي، لقد أثبت لي شيئًا اليوم. أنت جاد بشأن حلمك. لكن تذكر، المسؤولية التي تحملها الآن أكبر مما تتصور. إذا اخترت هذا الطريق، فلن يكون هناك رجوع." 


رد رامي بحزم:

"أعلم يا أبي. وأنا مستعد لتحمل هذه المسؤولية." 


تكملة البارت الثالث: الصراع الداخلي 


بعد انتهاء حديثه مع والده، عاد رامي إلى غرفته. جلس على سريره وهو يسترجع كلمات والده. كانت تلك اللحظة مختلفة، ليست مجرد خلاف آخر بل اعتراف ضمني بأن والده بدأ يراه كشخص ناضج قادر على اتخاذ قراراته. 


لكن رامي لم يكن سعيدًا تمامًا. كان يعلم أن هذا ليس إلا بداية الطريق، وأن الطريق الذي اختاره مليء بالمصاعب. جلس أمام نافذته ينظر إلى السماء، يتساءل إن كان سيستطيع أن يثبت نفسه حقًا، أم أن الشكوك التي تملأ رأسه ستعيقه؟ 


في اليوم التالي، عاد رامي إلى تدريباته. التقى الرائد حازم الذي بدأ يدفعه أكثر من أي وقت مضى. كانت التمارين مرهقة، والجلسات مليئة بالتحديات الذهنية والبدنية. 


في إحدى الجلسات، قال حازم:

"رامي، القوة وحدها لا تكفي لتكون ضابطًا. تحتاج إلى صبر، إلى ذكاء، وإلى القدرة على اتخاذ قرارات تحت الضغط. الضابط الحقيقي لا يتوقف عند حدود جسده، بل يتجاوزها بعقله." 


شعر رامي بثقل الكلمات، لكنه لم يرد. كان يعلم أن حازم محق، وأن أمامه طريقًا طويلًا ليصبح الشخص الذي يحلم به. 


مع مرور الأيام، بدأ رامي يلاحظ شيئًا جديدًا في نفسه. لم يعد يشعر بالشكوك كما كان من قبل. بدلاً من ذلك، بدأ يثق بقدراته، يثق بأن لديه ما يلزم لتحقيق حلمه. لكن هذا التحول لم يمر دون عقبات. 


ذات ليلة، وبينما كان يتدرب على تقنيات الدفاع عن النفس، تعرض لإصابة في كاحله. كانت الآلام شديدة، وطلب منه الطبيب الراحة لعدة أيام. شعر رامي بالإحباط، وكأن العالم كله يتآمر عليه ليوقفه عن المضي قدمًا. 


دخلت والدته غرفته في تلك الليلة. جلست بجانبه وقالت:

"رامي، أنا أعلم أنك تمر بالكثير. لكن لا تدع أي شيء يوقفك. الحلم الكبير يحتاج إلى قلب كبير وصبر طويل." 


ابتسم رامي وقال:

"أعلم، أمي. لكن أحيانًا أشعر أني أقاتل وحدي." 


ردت بابتسامة دافئة:

"أنت لست وحدك. نحن جميعًا هنا من أجلك، حتى لو لم يظهر ذلك دائمًا. فقط تذكر لماذا بدأت." 


مع مرور الأيام، تعافى رامي من إصابته وعاد إلى تدريباته. كانت الإصابة درسًا جديدًا في الصبر والقوة. ومع اقتراب موعد إعلان نتائج الاختبارات النهائية، أصبح التوتر في ذروته. 


في يوم النتائج، كان رامي يقف بين زملائه، ينتظر سماع اسمه. كان والده ووالدته يقفان بعيدًا، يراقبان اللحظة بترقب. 


وأخيرًا، جاء الصوت:

"رامي حسن، ناجح." 


شعر رامي وكأن العالم كله توقف للحظة. كانت تلك الكلمة كافية لتزيل كل الشكوك، كل الآلام، وكل الضغوط التي عاشها. ركضت والدته نحوه لتعانقه، بينما وقف والده على بعد خطوات، يبتسم ابتسامة فخر صغيرة لم يرها رامي من قبل. 


اقترب والده منه وقال:

"رامي، لقد أثبت لي أنك قادر على تحقيق حلمك. الآن، أنت على الطريق الصحيح. لكن لا تنسَ أن هذا النجاح هو بداية مسؤوليات أكبر." 


أومأ رامي برأسه وقال بثقة:

"أعلم، يا أبي. وأنا مستعد لتحملها." 

الفصل الرابع 

مرت الأيام سريعًا بعد نجاح رامي في اختبارات القبول. بدأ تدريباته الرسمية في الأكاديمية، وهي مرحلة جديدة تمامًا مليئة بالصعوبات والتحديات التي تطلبت منه بذل كل جهده لتحقيق التوازن بين الانضباط البدني والتفكير الاستراتيجي. 


كان يشعر وكأنه دخل عالمًا جديدًا مليئًا بالفرص، لكنه لم ينسَ أبدًا سبب وجوده هناك: حلمه بأن يكون ضابطًا يحمي الوطن، ويفتخر به الجميع، خاصة والده الذي أصبح داعمًا أكثر من أي وقت مضى. 


في أحد الأيام، أثناء جلسة تدريبية على القيادة تحت الضغط، تلقى الطلاب مهمة تحاكي عملية إنقاذ رهائن. كان على كل طالب قيادة فريقه واتخاذ القرارات المناسبة في وقت محدود.

وقف المدرب أمام الجميع وأعلن:

"هذه المهمة ستحدد مدى استعدادكم الفعلي للعمل الميداني. تذكروا، الخطأ هنا يعني حياة أشخاص في الواقع." 


تم تقسيم الطلاب إلى فرق، وكان رامي قائد فريقه. ركز كل جهده على تحليل الخطة، مستذكرًا كلمات الرائد حازم:

"القيادة ليست في إعطاء الأوامر فقط، بل في كسب ثقة فريقك، والتأكد من أن كل فرد يؤدي دوره بالشكل الصحيح." 


خلال تنفيذ المهمة، ظهرت عقبة غير متوقعة: انقطاع الاتصال بين رامي وفريق الدعم. وجد رامي نفسه مضطرًا لاتخاذ قرار سريع دون انتظار تعليمات. قرر تقسيم فريقه إلى مجموعتين، إحداهما تشتت انتباه "الخصم"، والأخرى تقتحم المبنى. 


رغم المخاطرة، نجحت الخطة وتم "إنقاذ" الرهائن. عند نهاية التدريب، أثنى المدرب على شجاعة رامي وحسن تصرفه تحت الضغط، لكن أضاف بابتسامة خفيفة:

"تذكر يا رامي، الجرأة جيدة، لكن الحكمة أفضل. أحيانًا يجب أن تنتظر حتى لو بدا الأمر مستحيلاً." 


في تلك الليلة، جلس رامي في غرفته بالأكاديمية. كانت كلماته المدرب تدور في ذهنه. هل كانت قراراته صحيحة؟ أم أنه استند إلى الحظ؟

أخذ هاتفه وقرر الاتصال بالرائد حازم ليحكي له ما حدث. كان حازم مستمعًا جيدًا، ثم قال له:

"رامي، لا يوجد قرار كامل. حتى في الواقع، ستواجه مواقف تضطر فيها للاختيار بين خيارات صعبة. المهم أن تؤمن بنفسك، وتتحمل عواقب قراراتك." 


شعر رامي بالطمأنينة بعد هذه الكلمات، وأدرك أن التعلم لا يتوقف أبدًا، وأن عليه أن يثق بنفسه أكثر. 


مع مرور الوقت، ازدادت تحديات الأكاديمية. كان الطلاب يخضعون لتدريبات مكثفة، ليس فقط على المستوى البدني، بل أيضًا في دراسة القانون والاستراتيجيات الأمنية.

في إحدى المحاضرات، تحدث المدرب عن أهمية النزاهة في العمل الأمني:

"الضابط ليس مجرد شخص يحمل سلاحًا. أنتم رمز العدالة. وأي خطأ صغير قد يدمر حياتكم المهنية وثقة الناس بكم." 


هذه الكلمات أثرت في رامي بشدة. تذكر حديث والده عن المسؤولية الكبيرة التي تأتي مع هذا الحلم، وأدرك أن النجاح هنا ليس فقط في التفوق البدني أو الذهني، بل في الحفاظ على القيم والأخلاق. 


ذات يوم، تلقى الطلاب زيارة من وفد من كبار الضباط، كان بينهم اللواء حسن، والد رامي. شعر رامي بالدهشة حين رأى والده وسط الحضور، لكنه التزم بجدية الموقف.

خلال الجولة، توقف اللواء حسن أمام رامي وقال بفخر واضح:

"هذا ابني. لقد اختار طريقه بنفسه، وأنا أؤمن بأنه سيكون ضابطًا مميزًا." 


كانت هذه الكلمات بمثابة دفعة قوية لرامي، وشعر أنه أخيرًا حصل على اعتراف والده الكامل بحلمه. 


مع اقتراب نهاية فترة التدريب في الأكاديمية، اجتمع الطلاب في الحفل الختامي لتكريم المتفوقين. كان رامي من بين هؤلاء الذين حصلوا على شهادات تقدير لأدائهم المميز.

أثناء الحفل، نظر رامي إلى والديه اللذين كانا يجلسان في الصفوف الأمامية. شعر بفخر كبير لأنه لم يخيب آمالهما، بل أثبت للجميع أن أحلامه لم تكن مجرد طموحات طفولية، بل هدف يستحق الكفاح من أجله. 


في تلك الليلة، وبينما كان يستعد لمغادرة الأكاديمية والبدء في العمل الميداني، جلس رامي مع والده في حديقة المنزل.

قال والده بهدوء:

"رامي، اليوم أنا فخور بك أكثر مما كنت تتخيل. لكنني أريدك أن تعرف أن الطريق الحقيقي يبدأ الآن. ستواجه أعداء، وستتخذ قرارات صعبة. المهم أن تبقى صادقًا مع نفسك." 


ابتسم رامي وقال بثقة:

"أعدك يا أبي، لن أخذلك. سأكون الضابط الذي يفتخر به الجميع."


تكملة البارت الرابع: الحلم الذي لم ينتهِ 


استيقظ رامي فجأة من نومه، وقلبه ينبض بسرعة وكأنه عاد للتو من معركة حقيقية. فتح عينيه ببطء، ونظر إلى سقف غرفته، حيث كان شعاع خافت من ضوء القمر يتسلل من نافذته.

تأمل للحظة، يحاول استيعاب ما حدث. لقد كان يحلم... حلم طويل مليء بالأحداث، بدا كأنه عاشه حقيقة. 


نهض من سريره وجلس على حافته، يمرر يديه على وجهه ويحاول تهدئة أنفاسه. تذكر كل لحظة في الحلم: النجاح، التحديات، كلمات والده الفخور به، واللحظة التي ارتدى فيها بزته العسكرية. كان كل شيء نابضًا بالحياة. لكن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. 


في صباح اليوم التالي، جلس رامي مع والده على طاولة الإفطار. كانت الأجواء هادئة، لكنه كان يشعر بالثقل في صدره. أخيرًا، قرر أن يتحدث:

"بابا، أنا حلمت حلم غريب... حلمت إني حققت حلمي وبقيت ضابط." 


ابتسم والده ابتسامة خفيفة، لكنه لم يرفع عينيه عن فنجان القهوة:

"أحلام الليل يا بني ليست إلا انعكاسًا لما يدور في عقلك. لكن الأحلام وحدها لا تبني مستقبلًا. عليك أن تعيش الواقع، والواقع يقول إنك ستصبح مهندسًا ناجحًا." 


كانت كلمات والده كالصاعقة التي أعادته إلى الحقيقة. نظر رامي إلى والده بحزن وقال:

"بابا، أنا مش قادر أنسى حلمي. أنا حاسس إني اتولدت عشان أكون ضابط، مش مهندس. ليه ما بتصدقنيش؟" 


أخذ والده نفسًا عميقًا، ثم وضع فنجانه على الطاولة وقال بنبرة جدية:

"رامي، كفاية كلام عن الموضوع ده. أنا عشت حياتي وشوفت الدنيا أكتر منك. والهندسة هي المجال اللي يضمن لك مستقبل آمن. مش هتخليني أغير رأيي، مهما قلت." 


عاد رامي إلى غرفته وهو يشعر بالإحباط. جلس على سريره ونظر إلى مكتبه، حيث كانت كتبه الهندسية متراصة بجانب بعضها. مد يده إلى إحدى الكتب وفتحها، لكنه لم يستطع التركيز. كان عقله مشغولًا بحلمه الذي بدا وكأنه يبتعد عنه يومًا بعد يوم. 


ثم، دون أن يدري، عاد إلى نافذته ونظر إلى السماء. كانت النجوم تلمع بوضوح، تذكره بالحرية التي شعر بها في حلمه. تمتم لنفسه:

"ليه الحلم كان حقيقي كده؟ يمكن لأنه الحقيقة اللي أنا نفسي أعيشها." 


في تلك الليلة، قرر رامي أن يكتب كل ما شعر به. أخرج دفتره، وبدأ يخط كلمات تعبر عن الصراع الذي يعيشه بين ما يريده قلبه وما يفرضه عليه والده. كتب:

"أنا مش قادر أهرب من حلمي. حتى لو حاولت أعيش حياة مش بتاعتي، هيفضل الحلم يطاردني. مشكلتي مش إني مش قادر أقنع بابا، مشكلتي إني مش قادر أتخلى عن اللي نفسي فيه." 


مع مرور الأيام، بدأ رامي يدرك أن الصراع الحقيقي ليس مع والده فقط، بل مع نفسه أيضًا. هل يستسلم للواقع ويدخل كلية الهندسة؟ أم يواصل المحاولة لتحقيق حلمه، مهما كلفه الأمر؟ 


كان كل يوم يمر يزيده إصرارًا، لكنه كان يعلم أن المواجهة الحاسمة مع والده لم تأتِ بعد. وفي أعماقه، كان يؤمن أن حلمه لا يزال على قيد الحياة، ينتظر اللحظة التي يقرر فيها أن يقاتل من أجله بكل قوته. 

الفصل الخامس 

في يوم جديد مليء بالصراعات الداخلية، قرر رامي أنه لن يبقى مكتوف الأيدي أكثر. الإصرار كان يشتعل داخله كالنار، فحلمه لم يكن مجرد أمنية عابرة، بل جزء من روحه. 


جلس مع نفسه في غرفته وأخذ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة أفكاره التي تضاربت بين التمرد والطاعة. نظر إلى صورة عائلته المعلقة على الحائط، حيث كان والده يبدو قويًا وشامخًا. تساءل:

"كيف يمكنني أن أجعله يراني مثله؟ كيف أجعله يفهم أن قوتي ليست في طاعته العمياء، بل في سعيي لتحقيق ما أؤمن به؟" 


بعد الغداء، وبينما كان والده يقرأ الجريدة في صالة المنزل، اقترب منه رامي وجلس بهدوء. للحظة، ظل صامتًا، ثم قال:

"بابا، عايز أتكلم معاك في موضوع مهم." 


خفض والده الجريدة ببطء ونظر إليه بجدية:

"خير يا رامي، إيه الموضوع؟" 


تردد رامي قليلاً، لكنه قرر أن يواجه مخاوفه:

"أنا ما بقتنعش بفكرة الهندسة، ومهما حاولت، مش حاسس إني هلاقي نفسي فيها. حلمي الوحيد إني أكون ضابط، وأنا عارف إنك شايف الموضوع مختلف، بس لازم تصدق إني مش هقدر أعيش حياة مش بتاعتي." 


تغيرت ملامح والده، وتحولت نظراته إلى خليط من الحيرة والغضب:

"رامي، إحنا اتكلمنا في الموضوع ده مليون مرة! أنا عارف مصلحتك أكتر منك، والهندسة هي مستقبلك الحقيقي." 


قاطعه رامي بصوت قوي، وهو يقف بثبات:

"لا يا بابا، مستقبلي الحقيقي هو اللي أنا أختاره. أنا بحترمك وبقدر تعبك عشان توفر لي كل حاجة، بس لازم تديني فرصة أثبت إني قادر أحقق حلمي." 


صمت الوالد للحظات، وكأنه يحاول السيطرة على غضبه. وقف وأدار ظهره لرامي، قائلاً بحدة:

"رامي، طول عمري بعمل كل ده عشان مصلحتك، ولو فكرت تدخل الكلية الحربية، أنا مش هساندك. اختار الطريق اللي يعجبك، بس اعرف إنك هتتحمل كل شيء لوحدك." 


شعر رامي بثقل كلماته، لكنه لم يتراجع. قال بهدوء:

"لو ده الثمن اللي لازم أدفعه، أنا مستعد." 


تلك الليلة كانت فارقة بالنسبة لرامي. جلس في غرفته، يفكر في الخطوة القادمة. بدا وكأنه يقف على حافة قرار كبير، قرار قد يغير كل شيء.

أخذ هاتفه وبحث عن إجراءات التقديم لكلية الشرطة. قرأ عن الاختبارات، الشروط، وكل ما يحتاجه لتحقيق حلمه. 


قرر أن يبدأ الخطوة الأولى في سرية تامة. استيقظ مبكرًا في اليوم التالي وذهب لتقديم طلبه. وقف في الطابور بين العشرات من الشباب الذين يشاركونه نفس الحلم. كان متوترًا، لكنه شعر بشعلة داخلية تقوده نحو هدفه. 


مر الوقت ببطء حتى جاء يوم إعلان النتائج الأولية. كان رامي يجلس في غرفته، ينتظر رسالة تؤكد قبوله أو رفضه. فجأة، رن هاتفه، ووصلته رسالة نصية. فتحها بيد مرتجفة، وعيناه مسمرة على الشاشة. 


"تهانينا، لقد تم قبولك مبدئيًا في كلية الشرطة. يُرجى الحضور لإجراء الاختبارات التالية." 


شعر رامي وكأن قلبه سيخرج من صدره. لم يستطع كتم سعادته، لكنه تذكر على الفور موقف والده. كيف سيتعامل معه بعد هذه الخطوة؟ 


في تلك الليلة، جمع شجاعته وقرر إخبار والدته أولاً. دخل المطبخ حيث كانت تعد العشاء وقال بتردد:

"ماما، عايز أقولك حاجة." 


ابتسمت والدته دون أن ترفع عينيها:

"خير يا حبيبي؟ في إيه؟" 


قال بصوت خافت:

"قدمت لكلية الشرطة... واتقبلت مبدئيًا." 


توقفت عن الطهي، ونظرت إليه بصدمة:

"رامي، إنت بتتكلم بجد؟! عارف باباك هيقول إيه لما يعرف؟" 


أومأ برأسه، وقال بثبات:

"عارف، بس ده قراري، ومش هرجع فيه."


في الليلة نفسها، وبينما كانت العائلة تجتمع على مائدة العشاء، كان التوتر يسيطر على الأجواء. رامي جلس بصمت، بينما والدته تحاول أن تخفي قلقها عن والده الذي بدا مشغولًا بتناول طعامه. 


تردد رامي للحظة، لكنه قرر أن يواجه الحقيقة، مهما كان الثمن. تنحنح قليلاً وقال:

"بابا، أنا لازم أقولك حاجة مهمة." 


رفع والده رأسه ببطء ونظر إليه بتمعن:

"إيه يا رامي؟ في إيه تاني؟" 


رد رامي بثبات، محاولًا أن يحافظ على هدوئه:

"قدمت لكلية الشرطة... واتقبلت مبدئيًا." 


ساد صمت ثقيل في المكان، كأن الزمن توقف. وضعت والدته الشوكة على الطاولة وهي تنظر بخوف إلى والده، الذي بدا وكأنه يحاول استيعاب ما سمعه. بعد لحظات، قال بصوت منخفض يحمل تهديدًا:

"إنت بتقول إيه؟" 


أجاب رامي بثقة:

"زي ما سمعت، يا بابا. قدمت من وراك، واتقبلت." 


انتفض والده واقفًا، وصوته ارتفع بنبرة غضب لم يسمعها رامي من قبل:

"إنت إزاي تجرؤ تعمل كده من غير ما تستأذنني؟! أنا قلت لا يعني لا! مش هتدخل الشرطة، هتفهم؟" 


نهض رامي من مكانه، وعيناه مليئتان بالإصرار:

"بابا، ده حلمي، وأنا مش هتراجع عنه. أنا بحبك وبحترمك، بس مش قادر أكمل في طريق أنا مش مؤمن بيه." 


ضرب والده الطاولة بقوة، مما جعل الأطباق ترتجف:

"رامي، إنت عايز تخسرني؟ عايز تمشي في طريقك لوحدك؟" 


أجاب رامي بصوت هادئ لكنه حازم:

"مش عايز أخسرك، بس كمان مش عايز أخسر نفسي. لو ده معناه إني لازم أعتمد على نفسي، فأنا مستعد." 


انسحب رامي إلى غرفته بعد المشادة العنيفة، وأغلق الباب خلفه. جلس على سريره، محاولًا تهدئة أنفاسه. كان يعرف أن موقف والده لن يتغير بسهولة، لكن في داخله، شعر بفخر بسيط لأنه وقف أمامه وأعلن عن حلمه دون خوف. 


في المقابل، جلس والده في غرفة المعيشة، غارقًا في أفكاره. كان يشعر بالغضب، لكن جزءًا صغيرًا بداخله كان معجبًا بشجاعة ابنه. مع ذلك، كان عناده أقوى من أي اعتراف داخلي. 


مرت الأيام، وبدأ رامي الاستعداد للاختبارات النهائية. كل صباح، كان يخرج مبكرًا للتدريب دون أن يخبر والده، ويعود قبل أن يلاحظه أحد. كانت والدته تحاول أن تتوسط بينهما، لكنها لم تجد طريقة لتخفيف التوتر المتصاعد. 


في إحدى الليالي، وبينما كان رامي يراجع أوراقه، دخلت والدته غرفته بهدوء وجلست بجانبه. وضعت يدها على كتفه وقالت:

"رامي، إنت عارف إن والدك مش بيعمل كده إلا لأنه خايف عليك، صح؟" 


أجاب رامي وهو ينظر إلى الأوراق أمامه:

"عارف يا ماما، بس أنا لازم أثبتله إني أقدر أكون اللي أنا نفسي فيه." 


ابتسمت والدته بحزن وقالت:

"إنت قوي يا رامي، وأنا واثقة إنك هتوصل. بس حاول تصبر عليه شوية، يمكن يقتنع في الآخر." 


في يوم إعلان النتائج النهائية، عاد رامي إلى المنزل حاملًا رسالة القبول الرسمي. كانت مشاعره مزيجًا من السعادة والخوف. قرر أن يضع الرسالة على طاولة والده دون أن يقول شيئًا، وتركها هناك ليكتشفها بنفسه. 


في المساء، عندما عاد والده من العمل، وجد الرسالة. فتحها بصمت وقرأها. لم يقل شيئًا، لكنه شعر بثقل القرار الذي اتخذه ابنه. 


دخل رامي الغرفة ونظر إلى والده، وقال بهدوء:

"بابا، دي فرصتي الوحيدة. أنا مستعد أتحمل كل حاجة عشان أثبتلك إني قادر أحقق حلمي." 


وقف والده للحظة، ثم قال بنبرة أخف من السابق:

"رامي، لو دخلت الطريق ده، مفيش رجوع. لازم تكون قد قرارك." 


أومأ رامي برأسه بثقة:

"قده وأكتر، يا بابا."

الفصل السادس 

بدأت أيام التدريب الأولى في كلية الشرطة. بالنسبة لرامي، كانت مليئة بالتحديات التي تختبر قوته البدنية والنفسية. كان يستيقظ قبل شروق الشمس، يركض مع زملائه في ساحات التدريب، ويتعلم مبادئ الانضباط، القيادة، وتحمل المسؤولية. كان كل يوم يقترب فيه أكثر من حلمه، وكل خطوة تثبت له أن قراره كان صائبًا. 


لكن في المنزل، لم تكن الأمور بهذه السهولة. والده كان يتجاهله تمامًا، وكأن رامي لم يعد جزءًا من حياته. لم تكن هناك أحاديث أو حتى نظرات. كان الجفاء بينهما يزداد، مما ترك أثرًا عميقًا في قلب رامي. 


في أحد الأيام، وأثناء عودة رامي إلى المنزل في إجازة قصيرة، قرر أن يحاول مرة أخيرة التحدث مع والده. دخل غرفة المعيشة حيث كان والده يجلس أمام التلفاز. وقف رامي بهدوء وقال:

"بابا، ممكن نتكلم شوية؟" 


لم يرد والده، لكنه أطفأ التلفاز وأشار له بالجلوس. جلس رامي على الكرسي المقابل وقال:

"أنا عارف إنك لسه مش راضي عن اللي عملته، بس كنت محتاج أقولك حاجة." 


نظر والده إليه بصمت، فتابع رامي:

"كل يوم في الكلية بفكر فيك. في كلامك، في تعبك، وفي كل اللي عملته عشاني. أنا مشيت في الطريق ده عشان أحس إني قدرت أحقق حلمي، بس كمان عشان أقدر أكون فخور بنفسي قدامك. بابا، أنا محتاجك تكون جنبي." 


بدا التأثر على وجه والده للحظة، لكنه تمالك نفسه وقال بصوت منخفض:

"رامي، أنا عمري ما كنت ضدك، بس كنت خايف. خايف إنك تمشي في طريق صعب وتندم. كنت عايزك تختار حاجة مضمونة، حاجة تضمنلك حياة مستقرة." 


ابتسم رامي وقال بثقة:

"وأنا اخترت الطريق اللي هيخليني قوي، اللي هيعلمني أواجه أي صعوبة. يمكن مش مضمون، بس ده اللي بحس إنه أنا." 


كان هذا الحديث بداية كسر الحاجز بينهما. مع مرور الوقت، بدأ الوالد يراقب تطور رامي بصمت. كان يسمع من والدته عن اجتهاده وتفوقه في التدريبات. شيئًا فشيئًا، بدأ الإعجاب يتسلل إلى قلبه، لكنه ظل متمسكًا بكبريائه، غير مستعد للاعتراف بذلك. 


في إحدى الليالي، وبينما كان رامي يستعد للعودة إلى الكلية بعد إجازته، فاجأه والده وهو يدخل غرفته. وقف عند الباب وقال:

"رامي، عايزك تعرف إنك لو احتجت أي حاجة، أنا هنا. أنا يمكن كنت قاسي عليك، بس ده كان خوفي عليك، مش أكتر." 


شعر رامي بأن هذه الكلمات كانت أهم من أي شيء آخر. نهض واقترب من والده، وقال بابتسامة مليئة بالامتنان:

"شكراً يا بابا. دعمك هو اللي هيخليني أقدر أكمل الطريق ده." 


في الكلية، تلقى رامي تكليفًا للمشاركة في تدريب ميداني خاص مع فريق النخبة. كان التدريب جزءًا من اختبارات التخرج، حيث يختبر الطلاب في مواقف واقعية تماثل العمليات الحقيقية.

رامي، بعزيمته وإصراره، قاد الفريق بنجاح في المهمة، مما جعله محط إعجاب الضباط وزملائه. 


عندما عاد إلى المنزل بعد التخرج، كان والده بانتظاره لأول مرة منذ بداية رحلته. كانت هناك نظرة فخر واضحة على وجهه، ونبرة صوت مختلفة عندما قال:

"أهلاً بالضابط رامي."


في تلك الليلة، بعد حفل التخرج وبعد أن ظن رامي أنه استعاد والده أخيرًا، غرق في نوم عميق. كان مرهقًا من المشاعر والأحداث المتلاحقة. 


لكنه حلم. حلم يعيد إليه كل التفاصيل التي مر بها خلال السنوات الماضية. 


رأى نفسه طفلًا صغيرًا، يقف أمام والده وهو يمسك لعبة على شكل طائرة، يقول بحماس:

"بابا، لما أكبر هبقى ضابط طيار!" 


ثم تغير المشهد سريعًا ليجد نفسه شابًا يقف أمام والده وهو يقول:

"بابا، عايز أدخل كلية الشرطة. ده حلمي من زمان." 


لكن وجه والده كان غاضبًا، صوته صارخًا:

"قلت لك هندسة! مش عايز أسمع الكلمة دي تاني!" 


بدأ الحلم يتحول إلى كابوس. رامي رأى نفسه وهو يكافح للدخول إلى كلية الشرطة، رأى كل العقبات التي واجهها، رأى والدته وهي تدعمه في الخفاء، ووالده وهو يتجاهله تمامًا. 


رأى نفسه في أيام التدريب القاسية، في لحظات التعب واليأس، ثم في لحظة التخرج، عندما استلم شهادته وسط الحضور. 


لكن الحلم لم يكن سعيدًا بالكامل. رأى والده وهو يبتعد عنه مجددًا، وكأن تلك اللحظات الجميلة كانت مؤقتة فقط. 


استيقظ رامي من نومه فجأة، وهو يتنفس بصعوبة. كان العرق يتصبب من جبينه، ونبضات قلبه متسارعة. نظر حوله، محاولًا التأكد أنه ما زال في غرفته، وأن كل شيء كان مجرد حلم. 


جلس على سريره، وهو يعيد ترتيب أفكاره.

"هل ده معناه إن المواجهة مع بابا لسه مخلصتش؟ هل لسه جواه شيء مش راضي عني؟" 


في الصباح التالي، قرر رامي أن يتحدث مع والده مرة أخرى، لكن هذه المرة من القلب. دخل إلى غرفة والده، حيث كان جالسًا يقرأ الجريدة، وقال:

"بابا، ممكن نحكي؟" 


رفع والده عينيه ونظر إليه، ثم أشار له بالجلوس. 


قال رامي بصوت هادئ لكنه جاد:

"أنا طول الوقت كنت فاكر إن اللي بيننا خلص، وإنك دلوقتي فخور بيا. بس مبارح حلمت حلم حسسني إن لسه فيه شيء جواك مش مقتنع." 


تنهد والده وألقى بالجريدة جانبًا. ثم قال بصدق:

"رامي، الحلم ده مش وهم. يمكن يكون حقيقة جواك أو جوايا. أنا كنت عنيد، وده يمكن أثر على كل حاجة بينا. بس أنا فخور بيك، أكتر مما تقدر تتخيل." 


ابتسم رامي بخفة، وقال:

"بس أنا عايز أسمع ده مش بس بالكلام، عايزك تكون معايا في كل خطوة جاية، تبقى السند اللي دايمًا كنت بحلم بيه." 


وقف والده واقترب منه، ثم وضع يده على كتفه وقال:

"وأنا معاك، يا بطل." 

الاخير 

احلام على حافه الهاويه 


مرت الأيام، وبدأ رامي يتأقلم مع حياته كضابط جديد. كانت المسؤولية ثقيلة، لكنه كان على استعداد لتحملها بكل شجاعة. أما والده، فكان يراقب خطواته عن كثب، يلاحظ التغيرات في شخصيته، والفخر يتضاعف داخله يومًا بعد يوم. 


في إحدى الليالي، تلقى رامي اتصالًا طارئًا من قيادته. كانت هناك عملية أمنية خطيرة تتطلب تدخله وفريقه. دون تردد، ارتدى زيه العسكري وتوجه إلى مقر القيادة. 


هناك، شرح لهم قائد الوحدة تفاصيل المهمة:

"لدينا معلومات مؤكدة عن مخطط لتنفيذ هجوم إرهابي في المدينة. المجموعة المسلحة تختبئ في مصنع مهجور على أطراف المدينة. دوركم هو اقتحام الموقع وتأمينه قبل وقوع الكارثة." 


رمق رامي زملاءه بنظرات جادة وقال:

"النجاح في العملية دي مش خيار. إحنا هنفعل كل اللي نقدر عليه لحماية أهلنا وبلدنا." 


مع اقتراب الفريق من المصنع، اشتدت التوترات. كان الظلام يحيط بهم، والأجواء تنذر بالخطر. تولى رامي قيادة الفريق، مستفيدًا من كل ما تعلمه خلال تدريباته. 


عندما بدأ الاقتحام، اشتبكوا مع المسلحين في معركة عنيفة. كان رامي يتحرك بثقة وشجاعة، يوجه زملاءه ويؤدي دوره بمهارة. لكن فجأة، انفجرت قنبلة صغيرة بالقرب منهم، مما أدى إلى إصابة زميلين له. 


أصر رامي على إكمال المهمة رغم الإصابات، وقام بتهدئة زملائه قائلاً:

"مش هنسيب مكاننا قبل ما نتأكد إن التهديد ده انتهى تمامًا." 


بعد ساعات من القتال، نجح الفريق في السيطرة على الموقع وتأمينه. تم القبض على المسلحين، وانتهت المهمة بنجاح. 


عند عودته إلى المنزل، كان التعب واضحًا على ملامح رامي، لكنه كان يحمل بداخله شعورًا عميقًا بالإنجاز. عندما دخل البيت، وجد والده ينتظره في الصالة. 


وقف والده مبتسمًا وقال:

"كنت متأكد إنك قدها، يا رامي. النهارده أنا مش بس فخور بيك كابني، أنا فخور بيك كضابط بيحمي البلد." 


تقدم رامي نحوه واحتضنه بقوة، وهو يقول:

"شكراً يا بابا... دعمك هو اللي خلاني أوصل للي أنا فيه." 


في اليوم التالي، تلقى رامي إشادة رسمية من قيادته على شجاعته ودوره الحاسم في نجاح المهمة. كانت تلك اللحظة تتويجًا لكل جهوده وتضحياته. 


وقف أمام المرآة في غرفته، ينظر إلى نفسه بفخر، لكنه أدرك أن هذا النجاح لم يكن ليكتمل لولا دعم عائلته. كانت تلك اللحظة بداية جديدة، ليس فقط لرامي، بل لعلاقته بوالده وكل من حوله.


بعد مرور أسابيع على نجاح العملية الأمنية، بدأت حياة رامي تتخذ منحى مختلفًا. أصبح أكثر جدية في تعامله مع تفاصيل عمله، وأخذ يكتسب احترام زملائه ومرؤوسيه. ولكنه في الوقت ذاته، كان يعاني من تحديات جديدة، كانت تطال حياته الشخصية بشكل كبير. 


في إحدى الأمسيات، كان يجلس مع والده في الحديقة، يحاول أن يتأقلم مع التغييرات التي طرأت على حياته. كان والده يراقب صمته، فقرر أن يكسر حاجز الصمت قائلاً: "رامي، أنا عارف إنك مش بس ضابط... أنت شخص غريب عن هذا العالم، متأثر بالحروب والأحداث. لكن لازم تعرف إن عيلتك هي الحماية الوحيدة اللي عندك." 


أجاب رامي بصوت منخفض، يملؤه التردد: "أنا مش عارف إذا كان بإمكاني التوازن بين شغلي وحياتي الخاصة... الشغل بيأخذ مني كل شيء." 


تنهد والده وقال: "الدور اللي بتلعبه مهم، بس أنت مش لوحدك. أنت جزء من عيلتك، وإحنا جزء منك." 


كلمات والده أثرت في قلب رامي، الذي شعر بحمل أكبر من أي وقت مضى. كان يعلم أن عليه الموازنة بين حياته العملية والشخصية، ولكن التحدي الأكبر كان في تعامله مع الضغط المستمر الذي يعيشه في العمل. 


وبينما كان يواجه هذه التحديات، بدأت تهديدات جديدة تطفو على السطح. وصلته تقارير عن خلايا نائمة تعمل في المدينة، تهدد الأمن العام. تم تحريك رامي وفريقه على وجه السرعة للبحث والتحقيق في هذه التهديدات. 


في تلك الليلة، كانت السماء ملبدة بالغيوم، والأجواء توحي بتفجر أزمة جديدة. بينما كان رامي يقود الفريق في العمليات الاستطلاعية، تلقت وحدة القيادة إشعارًا بتحركات مشبوهة بالقرب من أحد المواقع الحساسة. كانت تلك اللحظة نقطة تحول أخرى في مسيرته، إذ أدرك أن التحديات لم تنتهِ بعد، بل هي على وشك أن تصبح أكبر وأعقد. 


قال رامي بصوت حاسم لرفاقه: "اللي جاي أصعب، لكن إحنا قادرين عليه. لازم نكون أكثر حذرًا، وأن نتحرك بحذر وتنظيم تام." 


استعد الفريق لتنفيذ المهمة التالية، ولكن رامي كان يعلم أن هذه المرة قد تكون مختلفة. العدو أصبح أكثر تطورًا، والتهديدات تتزايد بشكل مقلق. لكن وسط كل هذا، كان لديه شعور داخلي أن هذا هو وقته الحقيقي، حيث سيتعين عليه أن يثبت نفسه ليس فقط كضابط شجاع، ولكن كإنسان يواجه أصعب الظروف بكل قوة وعزيمة. 


بينما كانت العمليات تتوالى، وأصبح الفريق يقترب من هدفه النهائي، كان رامي يدرك أن الحلم الذي بدأه منذ أن انضم إلى الجيش لم يكن مجرد أمنية، بل كان معركة يومية سيتعين عليه خوضها في كل خطوة.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-