google.com, pub-6802150628270214, DIRECT, f08c47fec0942fa0 رواية مواسم الفرح بقلم امل نصر ٣١ و٣٢
أخر الاخبار

رواية مواسم الفرح بقلم امل نصر ٣١ و٣٢

مواسم الفرح 

رواية مواسم الفرح بقلم امل نصر ٣١ و٣٢

 رواية مواسم الفرح بقلم امل

 نصر ٣١ و٣٢
الفصل الواحد والثلاثون


بحزن تعمق في الوجدان حتى اوجع الروح وافقدها حيوتها، كان بلال يتمم على ما وضعه داخل حقيبة سفره بعد ان أنهى ارتداء ملابسه، ليسحب شهيقًا طويلاً ثم أخرجه ، ليتناول الحقيبة ويسحبها ليخرج بها من الغرفة، وقد عزم أمره متوكلًا على خالقه.

كان جميعهم في انتظاره بصمت وحزن اكتسى ملامحهم، ف اقترب بخطى ثقيلة ليودع كل فرد منهم على حدة 

- خلاص يا ولدى ماشى وسايبنا .

قالها سالم بعد أن قبله بلال على رأسه، فقال الاَخير 

- اشوف وشك بخير يا بوى، والله لولا العيال اللى سايبهم هما وامهم فى الغربة لوحديهم، لكنت جعدت ولا هامنى العجد ولا الشغل هناك.

بكف يــ ده ربت سالم على ساعد ابنه قائلًا:

- ولا يهمك يا ولدى، روح لمــ رتك وعيالك واطمن !!.

- اطمن ازاى بس؟

قالها بلال وهو يقترب من والدته ليحتضنها، لتتمسك به وكأنها طفلة صغيرة، تقهقه في البكاء، 

فقال يخاطبها:

- ما خلاص ياما الله يرضى عنك، خلينى امشى وجلبى مستريح، مش عايز اسافر وانا مشغول عليكم .

- لا يا حبيبي متشغلش نفسك، خلاص انا زينة وتمام خالص اها .

قالتها وهي تمسح بطرف كم قماش عبائتها، قبل اعلى رأسها، ثم اتجه نحو شقيقه ليضمه إليه في حضن أخوي قوي مرددًا:

- على عينى يا حبيبى اسيبك جبل ما اشوفك ماشى على رجليك من غير العكاز .

رد عاصم بكلمات تخرج بصعوبة من فرط حزنه:

- سافر يا بلال وربنا معاك، انا زين والحمد لله .

بابتسامة اغتصبها على طرف فمه خاطبه بلال بتحفيز وهو يسحب حقيبته:

: فك كده وبلاش الحزن ده، والنزلة المرة الجاية هتبجى ان شاء الله على فرحك يا عريس .

اومأ عاصم برأسه يبتلع غصة مسننة بحلقه، لينتظر حتى خرج بلال ووالده معه كي يوصله لمحطة القطار، فغمغم بمرارة

- عريس! عريس فين بجى؟ ما خلاص.

رددت خلفه سميحة بعصبية: 

- عريس وسيد العرسان كمان .

قالتها ثم تابعت الدعاء بصوت عالي:

- يارب فك الكرب يارب .


❈-❈-❈


مش كفايه بجى جعاد يا ولدى وتجوم تسرح وتشوف شغلك اللى متأخر ده .

هتف بها ياسين بقلب متألم نحو ابنه، الذي كان في حالة يرثى لها بعد ان انقلب فرحه لكارثة، بهذا الحريق الذي دب في منزله اثناء انشغاله بخطبة البنات، بدور ونهال، على ابناء اعمامهن عاصم والدكتور مدحت، في منزل جدهم، واكتشفه رائف بالصدفة، ليعود راجع وإخوته ليجدا المنزل اصبح كومة رماد بكل ما يحمله من أملاك مادية، وذكريات معنوية، بعمر زو اجه، رد  يجيب والده بصوت خالي من الحياة:

- مش جادر يا بوى، ولا حتى ليا نفس اجابل ولا اشوف حد !.

تدخلت صباح بدموع تسبق الكلمات:

- منه لله اللى جطع فرحتنا وأذانا الاذية الواعرة دى اللهى ...

-صباح !!! .

قاطعها ياسين بصرامة يحدجها بنظرة محذرة حتى تفهم، فلا تزيد على شقيقها، وتابع هو:

- يا ولدى انت كده بتأذى نفسك، وكل وبتاكل بالعافية وشغلك ما بترحوش و دجنك سايبها ما بتحلجهاش ولا اكن حد عزيز ميتلك، كل شئ يتعوض يا حبيبى .

بشبه ابتسامة لم تصل لعينيه، قال ساخرًا:

- يتعوض فين يا بوي؟ أنا كل حاجة راحت منى، البيت، ودهب الولية وبنتتها، ولا كمان الفلوس اللى كنت حايشها عشان جهاز البنتة، اجو زهم كيف بس دلوك ؟ كيف يا بووووى ..

خرجت الأخيرة بحرقة اخترقت قلب والده، ليرد:

- يا ولدى ما جولتلك مية مرة ما تشلش هم حاجة وعرسان البنتة عيال عمهم، جالولك انهم متكفلين بكل حاجه ومش عايزين ولا اي شي فى الجهاز .

رفع راجح رأسه بحدة محدقًا في والده يقول بقوة وكرامة مجروحة:

- لا يا بوى، حتى لو كانوا عيال عمهم، برضك مش هاجوز بت منيهم ناجصة جشاية حتى من جهازاها، بتى لازم تبجى رافعة راسها جدام جوزها حتى لو كان واد عمها .

- واه يا واد ابوى، انت لسه مصمم ع اللى فى دماغك؟

- ايوه يا صباح مصمم، زى ما انا برضك مصمم ان مفيش جو از غير بعد ما اخلص البيت وارجعه زى ما كان .

عقب ياسين باستياء:

- ويفضلوا العيال كده مربوطين يا ولدى!

رد راجح بأصرار أشد:

- ان شالله حتى يجعدوا بالسنين، اللى عاجبوا على كدة تمام ، اللى معجبهوش الباب يفوت جمل .

- ما تجولى حاجه لجو زك يا انتى كمان؟

قالتها صباح هذه المرة مخاطبة نعمات التي كانت حاضرة النقاش من اوله، ولكنها ملتزمة الصمت، فخرج قولها بقلة حيلة:

- يعنى هاجول ايه بس؟ استغفر الله العظيم .


❈-❈-❈


خرجت من غرفتها بعد أن استيقظت متأخرة كالعادة، تفرد وترخي بذراعيها، تتمطع بصوت عالي، بعد استمتاعها بجرعة كبيرة من النوم لتهتف منادية على خادمتها

- بت يا فوقيه، إنت يا بت، جاعدة فين؟

سمعت الأخيرة لتترك الغرفة التي كانت ترتب وتنظفها، 

- ايوه يا ست هانم، انا جيت اهو، عايزه حاجة مني؟.

- لو معاكى حاجه دلوك خلصيها بسرعة، عشان تلحجى تطلعى وتاجى بسرعة.

- اطلع اروح فين يا هانم ؟.

طالعتها انتصار رافعة حاجبها الرفيع بابتسامة تقول 

- بره البلد يا بت، ولا انتي نسيتي؟ هو احنا مش كملنا اسبوعين والدنيا هديت، ادوبك بجى تودى لجريبك باجى حجه .

بأعين التمعت بالطمع ردت فوقية بلهفة:

- من عنيا يا هانم، بسرعة هخلص تنضيف البيت وبعدها هطلع على طول مفيش حاجة تانى تعطلنى .

- كده طب تعالى ورايا .

قالتها انتصار وهي تستدير وما أن همت فوقية بالتحرك خلفها تلحق بها في الغرفة، حتى فاجئتها الأخرى بالتراجع تقول:

- ولا اجولك استنينى هنا احسن، انا طلعالك. 

توقفت فوقية على مضص تغمغم داخلها بحنق.

- وليه عجربة، بس مش مهم استناها وخلاص مدام هاتشبرجنى .

دلفت انتصار لداخل غرفتها لتغلق الباب بوجه الأخرى، وانتظرت فوقية حتى خرجت لها حاملة بيديــ يها، مجموعة كبيرة من الأوراق النقدية، لتضع بعضهم على كف فوقية قائلة:

- خدى يا بت، نصيبك، والفلوس الزياده دى حلاوة ليكى برضو.

التقطهم بفوقية بلهفة تردد،:

- ما تخلى عنك يا هانم، دا انتى حتى ادتينى جبل كدة

ردت انتصار:

- لا ما انا زودتك يا بت، زى ما زودت جريبك، عشان عمل اللى يريح جلبى وخلانى انبسط، خودى جوليلوا ستك انتصار مبسوطة منك و جيبالك ٥٠ بدل ال ٢٥ الف بجيت حجك .

- ٥٠ الف دا غير ال٢٥ اللى جبليهم وانا كل اللى خدتهم على بعضيهم ١٥ الف بالعافية.

قالتها فوقية بصدمة، وهي تزن بين كفتيها الاَتي وضعت بهم انتصار المال، فرق كفها لا يصل حتى لنصف نصيب الاَخر، طالعتها انتصار بتعالي تردف بصرامة

- وانتى عملتى ايه يا بت ؟! اصحى لنفسك وبوسى ايديكى وش وضهر، ع الفلوس اللي جاتلك كدة بالساهل، من غير تعب ولا شجا، وياللا غورى حضريلى فطار بلا جلع ماسخ .


❈-❈-❈


حزينة، منطفئة، نظرة الحماس والأنطلاق والتي كانت دائمًا ما تميزها، اصبحت مختفية منها، يحترق داخله بعنف من أجل عودة الإبتسامة لها وسماع ضحكتها المجنونة الغير مبالية بأي شيء، حاول معها كثيرًا لذلك وكل محاولاته باءت في الفشل، وجعها طغى عليها في كل شيء:

- أعمل إيه بس يا ربي؟ 

تمتم بها بقلة حيلة مع تنهيدة قوية خرجت منه وهو يراقب خطواتها الرزينة بخروحها من المبني السكني الذي تقطن به في المحافظة من أهل بلدتها من أجل التعليم.

- صباح الخير .

تفوهت بها بروتينية فور انضمامها في السيارة معه، بادلها التحية بابتسامة مشرقة

- يا صباح الهنا والجمال، نهارنا النهاردة نادي ان شاء الله. 

قالها بأسلوب فكاهي جعلها تعقب بشبه ابتسامة:

- إن شالله دايما يارب .

تحرك بالسيارة يسألها:

- ها عاملة إيه بجى النهاردة يا عمرى؟!

ردت بهز رأسها وبصوت خفيض:

- الحمد لله، كويسة.

لم تعجبه النبرة الميتة في صوتها فقال يفتح معها حديث اخر:

- عجبك التليفون الجديد؟

- عجبنى، بس مكنش ليه لزوم وانا معايا غيرو .

رمقها بضيق يردد باستنكار:

- ليه ان شاء الله مالوش لزوم ؟! حتى لو برضوا معاكى غيره؟

خرج صوتها بحرج تجيبه:

- أيوة، مش كفايه الهدوم اللى كل شوية تشتريها وتبعتهالى .

احتدت نظرته نحوها ليقول بحزم ومشددًا على كلماته؛

- اسمعى الكلام دا كويس يا نهال وحطيه حلجه فى ودنك ، عشان مكررش فيه تاني كتير، انتى على زمتى ومسؤله منى يعنى ما اسمعش الكلام الاهبل ده ، بدال مانزعل مع بعض ! .

- حاضر

قالتها بصوت كالهمس متحاشية النظر إليه، فقال ممازحًا:

- ما تعرفيش كده تبجى زوق وتجوليلى كلمه حلوة؟ حرام.اسمع منك كلمة حلوة .

تبسمت ببساشة تقول:  

- حاضر يا سيدي يخليك ليا .

- هو دا بس اللى جدرتى عليه؟ ع العموم احسن من مفيش.

قالها متبسمًا بعد ان اسعدته بابتسامته، ليتابع بارتياح نسبي:

- ايوه كدة، نوريلى دنيتى بضحكتك الحلوه دى .


❈-❈-❈


بعد ما خرجت من البلدة مطمئنة بسيارة الأجرة، ترجلت منها لتكمل الطريق سيرًا على الأقدام وسط الزراعات المنتشرة في هذه المنطقة العشوائية بمبانيها الغير مرخصة، بغير ملكية حقيقة للأهالي بها، وصلت الى العشة المبنية بالطوب الطيني وسقفها من جريد النخل، همت أن تطرق ولكن توقفت لتفتح بالمفتاح الخاص بها، دلفت للداخل ثم اغلقت الباب خلفها بهدوء، ف وصل لاسماعها اصوات من داخل غرفة نومه القريبة ، احتدت عينيها واشتعل رأسها بالأفكار السيئة على الفور وقد ذهب ظنها للخيانة.

تسحبت على أطراف أصابعها حتى تظبطه متلبسًا بجرمه، توقفت أمام باب الغرفة بأنفاس متلاحقة بتحفز جعلها تدفع الباب بقوة اجفلت الاَخر من الداخل، لدرجة جعلته ينقلب من تخته نحو الأرض مقلوبًا على الأرض بصيحة مرتاعة:

- بسم الله الرحمن الرحيم .. هما بيطلعوا امتى دول؟!

لم تنتبه إليه ولا إلى ما تفوه به، وقد ذهبت أنظارها نحو الفراش لتجحظ عينيها وتدلى فكها بشدة وكأنها تمثل داخل فيلم رعب، لا تصدق ما تراه عينيها، ولا تستوعب أن يكون هذا حقيقة بالفعل. 

- إيه ده؟! كل دا معاك يا زكى؟ هو انت فتحت مغارة على بابا ولا إيه؟

قالتها وهي تندفع للداخل وتهبط على الذهب والنقود، تتناولهم وتتفحصهم بجنون، انتبه إليها لينهض سريعًا وقام بنزع كفتيها الأثنتان ، ليعيد ما تحصلت عليه مرددًا:

- شيلك ايدك ياما عن الحاجة، إيه يا ختي؟ هى وكالة من غير بواب؟

نظرت فوقية لكفيها الفارغين لتصرخ به مصدومة:

- انت بتعمل معايا انا كدة يا زكى؟ بتبعد يدى عن الفلوس والدهب، اتاريك ساكت ومصدعتنيش ع الفلوس اللى بجيالك من العمليه اللى جابتلك الخير دا كله، واللى ابجى انا السبب فيه!، طب حتى افتكر انى مرتك وشريكتك فى الخير اللى انت فيه ده، وابعتلى اجى اتمتع معاك بدل ما انا موحوله فى الخدمة والشجا مع الولية المخبولة انتصار.

سمع منها ليطالعها من رأسها حتى قدميها بتعالي يقول:

- مرات مين يا عنيا؟ احنا اللى بينا كان مجرد ورقة وانا قطعتها، يعنى خلاص بح !!.

- بح مين؟

صرخت بها لتضرب بقبضتيها الاثنتان وتردد بقهر:

- بح دا إيه الله يخرب بيتك ابوك ، هو احنا بنلعب مع بعض، ولا اللي ما بينا عشرة طريج، دا جواز جواز .

ازداد غضبه منها، ليزيد عليها مشددًا على أحرف كلمات بطريقته الغريبة:

- لا يا حبيبتي مكنش جواز وكان لعبه وخلصت!، ويكون فى علمك انا كلها يوم ولا يومين واسافر القاهرة واعيش فيها ملك هناك، يعنى تنسي انك شوفتينى ولا قابلتينى خاااالص .

ازداد انهيارها لتتمسك بتلاليب الفانلة التي يرتديها في الأعلى وتردد باكية بحرقة ورجاء:

- حرام عليك يا زكي، ليه تخلى بيا بعد ما صبرت سنتين معاك وانا منتظرة اليوم ده اللى هاتخدنى فيه وتعرفنى على اهلك، انا غلطت معاك فى ايه بس؟

جولى غلطت فى إيه ؟!.

- ياااربى، يا بنت الناس ما تقطعيش قلبي، طب اخدك معايا وقول لاهلى إيه؟ اتجوزت من الصعيد واحدة مالهاش اصل ولاناس .

قال الأخيرة ليزيد من قهرها، وهذا ما ظهر جليًا على ملامح وجهها وقد تسمرت، وتوقفت الكلمات على طرف لسانها، حتى أصبحت شفتــ يها التي ترتعش وهي تحدق بعينيه ودموعها تسيل كشلال بصمت، بخبث منه أغمض عينيه وفتحهم مرة أخرى بتنهيدة طويلة يدعي التأثر في قوله:

- ليه كده بس يا بنت الناس؟ خلتينى اغلط معاكى واجرحك، ودي حاجة صعبة عليا. 

خرج صوتها الباكي بانكسار:

- الله يسامحك، بتعايرنى بأصلى يا زكي اللى ماليش ذنب فيه!

رد معقبًا بمكر:

- عندك حق فيها دي انتى فعلًا ملكيش ذنب فيه، بس على الاقل، تبقي فى نفس مستوايا يا فوفة، اديكى شوفتى الخير بنفسك اهو اللى هايرفعنى ويعلي من شأني، انتى بقى معاكى ايه يا فوفه؟!.

شعرت ببادرة أمل لتفكر سريعًا وتحسب نصيبها مع الزيادة التي كانت سوف تعطيها له من انتصار، لترد بكل حماس ولهفة:

- معايا ٤٠ الف جنيه يا زكى !.

رمقها باستغراب يسألها:

- وال ٤٠ الف دول، جبتيهم منين ياما ؟!.

تلجلجت تجيبه بارتباك:

- ااا الست انتصار ادتهوملي، دا حتى بعتالك بجيت حجك معايا اها ٢٥ الف جنيه بالتمام والكمال .

قالتها وهي ترفع عبائة الخروج لتفك الطرحة الكبيرة حول خصرها، وتابعت وهي تخرج النقود من الرباط:

- اها زي ما انت شايف، واتفضل وعد بنفسك.

تناول منها النقود ليقول بتفكير وهو يهرش بطرف ظافره الأصغر:

- الست انتصاااار قولتيلى بقى، اممم، طب سؤال رفيع كده بقى يا فوفتى .

ردت بانتباه:

- سؤال إيه يا زكي ؟!.

صمت قليلًا ثم قال:

- يعنى انا كنت بسأل عن اللى اسمها انتصار دى، ازاى هى مــ رات عمدة وبيتها فاضى مافيهوش غفر ولا عمدة ولا اى صنف بشر غيرك انتى معاها !!!.

عوجت طرف فمها لتجيبه بضيق:

- ودى مين اللى هايجيلها دي بعد العمديه ماراحت، وجو زها وولدها اتحبسوا، دى بنتتها واجو ازهم، بيطلوا عليها بالعافية ويمشوا على طول بعديها .

بضحكة مستخفة عقب زكي:

- معقوله! بقى دى مجو زة بنات دى ؟! دى شكلها صغير اوى وحلوة كدة و ...

قاطعته فوقية بانفعال غاضبة:

- إيه؟ صغيرة عشان اتجو زت صغيرو وجو زت بنتتها صغيرين، وحلوة عشان جاعدة زى البرنسيسة اليوم كله تلبس وتتزوق وتأمر وتتأمر عليا .

- ميأمرش عليكى ظالم يا قلبي، سامحينى ان كنت  شايفك مش فى مستوايا، بس انتى تقدرى تبقى اعلى كمان !!.

زاد استفزازها من قوله، لتطالعه بتقيم وقد كان جالسًا بركبتيه على الفراش بالفانلة البيضاء الدخلية، يرتديها اعلى بنطال بيجامة قطنية قديمة، وخف قدميه لم ينزعه، فقالت تقارعه:

- مستوى إيه يا زكي ؟! انت مافكاش حاجة اتغيرت غير بس الشبب الجديد اللى ماهينش عليك تجلعوا وجاعد بيه عالسرير دلوك !!.

ذهبت أعين الاَخر نحو ما تقصد ليهتف بها بتشنج وعصبية:

- لمى نفسك يا فوقية ما تغلطيش، أنا بحاول اوصلك الفكرة.

ردت فوقية بتعب:

- فكرة إيه؟ انا مش فاهمه حاجة !!

تبسم بارتياح وقد وصل لمبتغاه ليقول:

- افهمك أنا يا فوفتى، براحة وبالتفصيل كمان د!.


❈-❈-❈


في منزل جدها

والذي أصبح مأواهم الاَن بعد أن تدمر منزلهم بأثر الحريق، ولم يعد يتبقى منه سوى الرماد الاَن، بحزن يعتصرها، كانت تتحدث في الهاتف في هذا الوقت مساءًا مع عاصم الذي لا يكف بمحاولاته اليومية للتخفيف عنها والتهوين بكلمات العشق الجميلة بينهما، أو حتى الأحاديث العادية، رغم حزنه هو اضعاف:

- يعنى ابوكى مُصر على رأيه برضك يا بدور؟ ومش عايز يجوزنا غير بعد ما يبني البيت ويرجع اللي راح كمان!

أجابته بدور بتأكيد:

- ايوه يا عاصم مُصر، وانا وامى ونهال مفيش واحدة فينا تجدر تراجعه فى كلامه وهو تعبان كده، ابويا نفسه موجوعة يا عاصم.

سمع منها ليصل إليها عبر الاثير صوت أنفاسه المثقلة، ليقول بحزن:

- يعنى احنا بعد ما جولنا خلاص اخيرا هنفرح والدنيا ضحكت لينا بعد عذاب ودموع ترجع وتدينا ضهرها من تانى .

بصوت باكي وهي تمسح بدموع سالت على الفور وكأنها تنتظر الإذن:

- كل شئ نصيب يا عاصم، واحنا نصيبنا كدة، هنعمل ايه بجى؟

بعدم تحمل هتف بها عاصم:

- حن عليكى ما تبكى يا بدور، انا فيا اللي مكفيني، ومش حمل دمعتك دي اللي بتحسسني بعجز أكتر من اللي انا فيه، وجفي اللي يرضى عنك، بدل ما اجيلك بيت جدى دلوك وخلى ابوكى ولا جدى حد فيهم يمنعنى عنك .

تبسمت هذه المرة رغم دموعها لترد:

- يعني تاجي دلوك ومش عايز حد فيهم يمنعك كمان؟ دا انت بينك اتجنيت زى واد عمك الدكتور .

رد عاصم بغزل صريح:

- وما اتجنش ليه وانا معايا الجمر بحاله؟ دا انا ابجى عبيط بجى ومبفهمش كمان

ادخل في قلبها بعض المرح لتتبادل معه الرد وتسبح معه في عالم وردي من العشق بعيدًا عن الواقع المرير الذي تعيش، قبل ان تعود ويجبرها الفضول سائلة:

- ألا جولى صح يا عاصم ، مفيش أي اخبار من الحكومة عن اللى اتسبب فى حريقة البيت؟

رد عاصم:

- الكلام هو نفسه يا بدور، الناس شافوا واحد غريب ومغطى وشه بيجرى جنب البيت، جبل الحريجة بثوانى، بس محدش عرفه واصل!


❈-❈-❈


في منزل العمدة

وهي تشاهد المسلسل اليومي مع سيدتها التي كانت متكئة على أريكتها بأريحية وهي جالسة أسفلها على الأرض في مكانها الطبيعي الذي زرعت به، منذ نشأتها، كلقيطة وعاملة للخدمة في المنازل، بذهن مشتت كانت تدعي التركيز في الشاشة المعلقة على الحائط أمامها، وبطرف أجفانها تراقب الأخرى، وهي ترتشف من فنجان القهوة الذي صنعته هي بيــ دها لها، تحصي الدقائق والثواني، تسير على الخطة المرسومة لها بدقة في انتظار الفرصة، والوقت يمر بالبطيء كسلحفاة مريضة، وهي ما زالت تراقب حتى حدث ما تنتظره، انتصار العنيدة والتي كانت تقاوم النعاس بقوة غلبها الان بفضل المنوم، لتميل كالمغشي عليها على ظهر اريكتها ، نهضت هي عن مقعدها لتتفحصها:

- ست هانم، يا ست هانم .

بمجرد أن لمستها بيــ دها في الثانية، حتى تفاجأت بها ترتمي الجثة أمامها انتفضت بخوف من هيئتها، قبل أن تتمالك وتمسك الهاتف لتتصل به:

- ايوه يا زكى حصل اللى انت عايزه، اعمل ايه دلوك؟


 ٣٢

الفصل الثاني والثلاثون


- مييين؟ 

هتف بها ياسين بعدم تصديق وهو يكذب ما التقطته إذنيه، ولكن الاَخر أكدها باستنكاره:

- وه، بجولك نسمة يا جدى، هو انت ما عرفهاش؟

صاح به ياسين:

- لا يا سيدى عارفها، بس لا مصدق ولا مستوعب لكن انت متأكد من اختيارك ده؟

- طبعاً امال ايه؟ .هو الكلام دا فيه هزار؟

قالها بثقة اللجمت ياسين، ليظل عدة لحظات يضرب بعصاه على الأرض، يرمقه بنظرات غير مفهومة أثارت استياء الاَخر ليقول 

- مالك يا جدى سكت ليه؟ ما ترد عليا ولا ريحني بكلمة.

بوضع لم يتغير سأله ياسين:

- يعنى عايزنى اجولك إيه؟

رد حربي بحماس:

- جولى انك موافج يا جدى؟ عشان تجف معايا .

وتقنع امى وابويا .

رد ياسين مضيقًا عينيه بتفكير عميق: 

- طب جولى انت الأول يا حربي، ليه عايز تتجوز نسمة وانت عارف انها عزبة؟ وانت فتى ومن الطبيعي انك تاخد واحدة زيك، لا جربت جواز ولا شافت واحد غيرك.

بحماس غريب لم يقتنع به ياسين رد حربي:

- وه يا جدى، إنت هتعمل زى امى وكلام الجهل دا كمان عن العزبة والفتاية، ايه يعنى ان كانت عزبه ولا مطلجة؟ دا غير ان انا مش اول واحد فتى يتجوز واحدة عزبة.

- خلصت كلامك!

قالها ياسين بحدة اربكت حربي حتى وضحت في سؤاله:

- يعنى إيه يا جدي؟

اقترب ياسين ليميل برأسه نحوه يقول :

- طب لو جولتلك انها مخطوبة، وبس تخلص عدتها هتتجوز على طول .

اجفل حربي يقول مذهولا؛

- وه، ايه اللي بتجولوا دا يا جدي؟ هى لحجت ؟ ثم مين دا كمان اللى خطبها بالسرعه دى ؟ .

فرد ياسين كفيه أمامه بقلة حيلة قائلًا:

- هو دا اللي حصل يا ولدي، هى اتخطبت وخلاص، لمين بجى؟ ملكش دعوة، وعشان تعرف، انا متأكد من كلامي ، لأني جايبه من المصدر نفسه، ها ايه رأيك بجى ؟ .

تدلت رأس حربي يقول بضعف:

- يعنى هجول ايه بس؟ كل شئ نصيب، وانا باينى ماليش نصيب .

صاح به ياسين منفعلًا:

- بس يا زفت انت بطل كلامك ده لأديك على بوزك، ليه ملكش نصيب ان شاءالله؟ إيه اللي يعيبك؟ يا واد دا انت مكملتش ٢٤ سنه يعنى اللى زيك يدوبك متخرجين من كلياتهم، ليه تضيجها على نفسك؟ والبنته ماليا الدنيا؟ ولو بصيت حواليك هتلاجى كتير .

رد حربي بيأس متعاظم:

-،الاَجى فين يا جدى بس؟.وانا كل ما اختار واحده تروح لصاحب نصيبها .

- عشان بتبص ع الحلاوة وبس، مش بتدور ع اللى جلبك يتشعلج بيها .

قالها بعصبية لم يقبلها حربي، ليرد باستنكار:

- عشج إيه يا جدى والكلام الفاضى دى؟ أنا عايز اتجوز واحدة وخلاص وابني بيت، مش عايز واحب واتمعشج .

ردد ياسين بإصرار:

- عشان اهبل وبتبص تحت رجلك وبس، يا واد متجفلش على نفسك، سيب جلبك هو اللى يختار لك .


❈-❈-❈


بعد ما انهت المكالمة وقد حفظت التعليمات منه جيدًا، 

تحركت بخطوات خفيفة حتى لا تصدر ازعاجًا يتسبب في أيقاظ الأخرى، تقدمت بخطواتها حتى دلفت لداخل غرفة النوم التي لم يسبق لها الدخول بها إلا بمرافقة العقربة كما تطلق عليها بداخلها، وهي تأمر وتتحكم بها، 

وقعت عينيها على أول شيء يثير دائمًا فضولها وهو خزانة الملابس، فكل شبر هنا كان مسموحًا بترتبته وتنظيفه إلا هو، فقد كان الشي الوحيد الذي كانت انتصار تنظفه وترتبه بيــ دها، وغير مسموح لها هي الاقتراب منه على الإطلاق.

- اما شوف بجى اللي جواك إيه؟ وهل هو يستاهل ولا لأ؟

غمغمت بها فوقية وهي تفتحه بيــ ديها الاثنتين، أول الشيء انتبهت على الملابس الفاخرة ملك انتصار والتي تملأه عن اَخره، تسمرت بانبهار، لتتلمسهم بكفيها بحالمية وهي تتمتم لنفسها:

- اه يا ناري لو اجدر بس اخدهم كلهم، لكن معلش خلينى دلوك اركز فى اللى جياله .

بحثت حولهم بداخل الضلفة الوسطى الواسعة، وحينما لم تجد شيء، اتجهت للضلفة الأخرى، ذات الأرفف، وكانت المفاجأة، حينما وجدت أمامها الصندوق الكبير، وفوقه صندوق أصغر، في أعلى رف، التقطت على الفور الأصغر، لتشهق جاحظة العينين بشدة، بعد أن انفتح أمامها بدون مجهود وظهرت محتوياتها من المصوغات الذهبية لانتصار، والتي لطالما أكلتها الحسرة، والرغبة القاتلة لارتداء احدهن ولو لمرة واحدة في عمرها، الأساور الغليظة، السلسلاسل الطويلة وقلوبها المختلفة، الخاتم المثقل بفصه الألماظ، وغيره وغيره وغيره، من الأشياء التي كادت أن تودي بعقلها وهي تتفحصهم بضحك هستيري مرددة:

- يخرب بيت أبوكي يا انتصار، كل دا دهب؟ كل دا دهب الله جاكي الطين؟ اخيرًا هيروحوا للي تستاهلهم، انا الصغيرة اللي حجي اللبسهم واتمتع ببهم، دول حجي أنا.

ظلت بهذيانها حتى صدح صوت الهاتف والتقطته لتجيب المتصل على الفور بضحكاتها الغريبة: 

- انا لجيت الدهب يا زكى، لقيته في دلاب الحيزبونة، وجاعد فى يدى دلوك، كتير، كتير جوى .

استشعر من محله زكي الجنون الذي تلبسها فهدر يجفلها بحدته:

- انت يا بت ال.... اصحى وفوقى ياما مش وقت عبطك دلوقت، دورى ع الفلوس واخلصلى قبل ما تصحي انتصار، واخلصي ياللا. 

اذعنت بخوف توميء برأسها عدة مرات وكأنه يقف أمامها، تقول:

- حاضر يا زكى حاضر، انا فاهمة زين، بس انت متعصبش نفسك، عشان الصندوج الكبير اللى هنا دا باين عليه فيه الفلوس .

سمع ليستشيط غضبًا منها يردد بصوت اعلى من سابقه:

- ولما في صندوق كبير، مستنيه ايه يا غبية؟ اخلصى افتحيه وطلعى اللى فيه.

ردت بارتباك:

- أيوة بس دا مجفول بالجفل يا زكى.

مسح بكفه الخشنة على صفحة وجهه يحاول السيطرة على انفعاله منها ليقول؛

- اتصرفى يا نيلة النيلة، دورى على مفتاحه او اكسريه، اعملي حاجة، المهم انك تخلصى بسرعة قبل مفعول المنوم ما يروح وتصحى انتصار وتعلقك بعديها.

رددت خلفه بارتياع لمجرد الفكرة؛

- ايييه؟ تصحى عشان تمرمرني واترزع فى الفجر من تانى، لا يمكن دا يحصل، انا حالاً هخلص وجيالك على طول يا زكى.

أنهت المكالمة بروح جديدة دبت بها الحماس والصحوة للقادم، خشية استيقاظ انتصار، ويحدث ما لا يحمد عقباه، تحركت نحو أدراج التسريحة لتبحث بها، واحد تلو الاَخر، حتى وجدت مبتغاها بالدرج الاَخير، وقد كان مفتاحًا يناسب قفل الصندوق، خمنت داخلها، أن يكون هو، لتنهض على الفور، وتحاول به.

دخل المفتاح داخل القفل لتشهق مهللة فور ان انفتح أمامها الصندوق الكبير، وظهرت محتوياته من نقود لا حصر لها، كبتت على فمها صرخة الفرح، وهي تعد نفسها بالرقص احتفالا بعد ذلك، بعد انتهاء مهمنها، ارتدت لتتناول حقيبة الملابس الصغرى من خلف الخزانة، لتضغها على الأرض أسفلها، حتى تضع النقود الورقية جمعيها به، ثم الصندوق الأصغر افرغت محتوياته من الذهب والمصوغات، لتغلقها بعد ذلك، وتناولت عباءة خارجية من ملابس انتصار، لترتديها سريعًا وتخرج من الغرفة، وجدتها على نفس وضعها، مستلقاة كالجثة الهامدة على أريكتها، دنت منها، لتنزع الخاتمين التي كانت تضعهم بإصبعيها، والأسورة من رسغها، ثم هذا العقد الصغير حول عنقها، بفرحة تغمرها ارتدهم هي ثم نهضت تنوي المغادرة، ولكنها وقبل أن تتحرك انتبهت على الهاتف الذي وقع ارضًا من انتصار، تناولته مرددة:

- يا حلاوتك، طب انا كده اخاف عليك لا تتبهدل فى الشنطة يا جميل، اجولك، انت غالي وخسارة بهدلتك، تعالي أحسن.

قالت الأخيرة وهي تضعها في جيب صــ درها في الأعلى، لتنهض بعد ذلك بتمايل وتخايل لخطواتها، وكأنها ترقص من الفرحة،وقد حققت مبتغاها، ولكي لا يكتشف امرها فرد ما، في هذا المنزل الذي خلى عليهن فقط منذ ذهاب العمودية منه، وكره الناس زيارة صاحبته المتعجرفة 


❈-❈-❈


خرج حربي من غرفة جده بعد انتهاء الجلسة بينهما داخلها، بحيرة ازدادت بعقله أضعاف، وقد تشتت فكره في عدة اتجاهات مختلفة لم يحسب حسابها من قبل، وقعت عينيه على من تقترب من الباب الخارجي تعطيها ظهرها باتجاه فتحه، هتف بها بصوت جهوري كالصياح:

- طالعة ورايحة فين دلوك يا بت؟

استدرات إليه نيرة مجفلة لتتطلع اليه بخضة، ولكن سرعان ما استعادت توازنها، ليغلبها طبعها العنيد معه:

- بتزعج عليا ليه؟ وايه بت دى كمان؟

اقترب بغضبه نحوها ليهدر بأعين تطلق شررًا:

- بت ولا زفت حتى، لكن انا مش منبه عليكى جبل كدة وجايل، مفيش طلوع فى الليل واصل.

بعند اشد تخصرت لترد بشجاعة مزيفة:

- وانت مالك بجى ان شاء الله؟ ان كنت اطلع ولا ما اطلعش؟ عشان تحكم وتتحكم.

صاح بها بغضب اشد يرفع قبضته في الهواء ملوحًا بتهديد:

- اتعدلى يا نيرة، بدل ما اعدلك، وبلاش تستفزيني عشان على اَخري 

- ننننعم، لا انت عايز تضربني؟ ليه ان شاء الله؟ مليش ناس ولا أهل يردولك؟

صاحت بها بصوت عالي جعل بدور تأتي عليه، وتهبط من الدرج بجزع، تصرخ قبل ان يزداد الوضع سوءا ويتشاجرا الاثنان. 

'- جات عشان تاخد مني المذكرة يا واد عمى، بكرة علينا امتحان والله.

خرج ياسين على الصوت أيضًا كما فعلت نعمات وصباح، وهتف اَمرًا بهما: .

- فى ايه انت وهي؟ ايه اللى حصل؟

ردت نيرة بانفعال؛

- تعالى يا جدى وشوف سي حربى دا كمان، بيزعجلى من غير سبب.

حدجها بنظرة غاضبة قبل ان يلتفت نحو ياسين قائلًا بعصبية:

- اسمع يا جدى، البت دى انا منبه عليها جبل كدة، مفيش طلوع فى الليلالى و..... 

قاطعته نيرة تقول بحدة:

- بت لما تبتك يا حربي.

هذه المرة كانت الصرخة من ياسين الذي هدر بها

- لمى لسانك يا نيرة وخلي بالك من كلامك، واد عمك عنده حج، وانتي كان واجب تجدمى شوية ، لو قبل العشا حتى!

اضاف على قوله حربي:

- ولا حتى جبل العشا يا جدي، بعد المغرب اساسا مينفعش، المسافة هنا لبيت عمى طويلة.

ردت بدور ملطفة:

- معلش يا جدي، معلش يا واد عمى، أنا لو ابويا جاعد كان وصلها دلوك.

رد على قولها حربي:

- خلاص يا بدور، هوصلها انا اخلصى يا بت مدى جدامى .

سمعت منه لتعترض بسخط:

- تانى برضو بتجول يا بت، طب مش مجدمه يا حربى ولا ماشيه معاك نهائى بس .

هم حربي أن يرد ولكن ياسين كان لها بالمرصاد:

- تبعى واد عمك يا نيرة وانت يا حربى بلاش تجولها بت وياللا بجى اطلعوا انتو الاتنين وفوضوها .

دبت نيرة بقدميها على الأرض بغيظ ، قبل أن تلتف وتخرج أمامه، ثم قام هو بلف شاله الصوف حول عنقه، ولحق بها صامتًا:

توجهت صباح نحو أبيها سائلة بعدم فهم:

- هو ايه اللى حصل يا بوى؟ انا مش فاهمة حاجة.

تبسم ياسين بخبث، ليجيبها بغموض وهو يعود لغرفته مرة أخرى

- خير يا بتى خير .


.❈-❈-❈


متابعًا معها عبر الهاتف خط سيرها من وقت ان خرجت من البلدة واستقلت الميكروباص الجماعي، وهو ينتظرها على رأس الطريق الزراعي، بهيئة طبيعة هادئة اقترب من الميكروباص فور ان توقف لتترجل منه، تناول كف يــ دها ليساعدها، وبعدها الحقيبة ليعلقها على كتف ذراعه، حتى وطئت قدميها الأرض وغادرت السيارة بركابها.

قبض على كفها لتسير معه بصمت بدون أي كلمة، حتى استدار بها في زاوية مختصرة بعض الشيء عن الطريق وأعين المارة لينزل بالحقيبة يفتح بلهفة جزء منها، ويرى بعض محتوياتها، وقد كان كفيلا أن يصيبه الجنون لرؤية الذهب الذي لمع أمامه ليضيء النقود المتواصة اسفله، برقت عينيه وحاول بصعوبة السيطرة على شعور البهجة بداخله، وبسعاده غامرة، أغلق السحاب يلتقط أنفاس طويلة، وهو يعتدل بجذعه يعيد تعليق الحقيبة مرة أخرى، بابتسامة يخاطبها:

- حمد لله ع السلامة يا قلبى .

- الله يسلمك.

قالتها فوقية وقد كانت تنتظر رد فعله هذا، لتبتسم بزهو وتفاخر تتابع:

- اطمنت يا زكي وجلبك فرح؟

عاد ليقبض على كفها بابتسامة متوسعة ليعود للسير بها قائلًا"

- انا فرحتى بيكي انتي أكتر يا قمر .

ردت فوقية بلهجة معاتبة:

- بس الشنطه كانت تجيلة جوي ووجعتلي يدي يا زكي، وانا كنت عايزاك تيجي تساعدنى فى شيلها .

رد يجيبها بتبرير:

- عايزاني ادخل بلدكم والناس تعرفنى عشان اتحبس يا فوفة، لا يا حبيبتي انا لازم ابقى حريص، مش عشاني انا وبس، لا وعشانك انتي كمان، ولا انتي مش عارفة اني لو وقعت، هتقعي انتي كمان معايا؟

- لا طبعا بعد الشر عليك يا زكي

قالتها وتوقفت فجأة سائلة باستدراك:

- استني هنا يا زكي، دا مش طريجنا .

جذبها ليسحبها مرة الأخرى مرددًا:

- لا هو طريقتنا بس باختلاف بسيط.

قطبت تحاول نزع يدها والاعتراض وهي تراه يحيد بها عن الطريق المستقيم الذي تقطعه دائما في الذهاب نحو عشته وشعر هو بذلك فتابع لها:

- يا حبيبتي ميبقاش قلبك خفيف، انا غيرت النهاردة عشان المصلحة .

- مصلحة ايه؟ وهو حد عارف باللي احنا شايلينه؟

قالتها بانفعال قابله بدراما قائلًا

- يا نهار اسود يا فوفة، يعني انتى عايزه شلة العيال اللى بتشرب كل يوم عند الترعة، يغلسوا عليا زي ما بيعملوا معايا وانا شايل بضاعة جديدة او شاريها، عشان المرة دي يكتشفوا الحقيقية وياخدوا مننا الفلوس والدهب وساعتها يرمونا انا وانتى فى الترعة.

خفت مقاومتها مع بصيص اقتناع بسيط، لتقول بخوف وقلق:

- بس الطريج دا ضلمة يا زكى، وانا بخاف جوي من الضلمة. 

رد بلهجة مقنعة

- ما تخافيش يا قلبى وانا معاكي، بس انتى شغلى كشاف تليفونك وانا كمان هشغل كشاف تليفونى، وان شاء الله نوصل بسرعة، وكل القلق دا يروح. 

اذعنت مضطرة لأمره، لتشعل ضوء كشاف هاتفها القديم، مع ضوء هاتفه، وهو يسامرها بالكلمات الجميلة حتى يلهيها، وهي تكاد أن تموت من الرعب، وعقلها يدور في الف حكاية بزعر يتملكها، تتمنى الإنتهاء بسرعة لتتخلص من شك يقبض على قلبها بعنف، ولكنها تكذب نفسها وتكابر، حتى توقف بها في زاوية ما وقد ابتعادا عن الطريق العمومي بمسافة كبيرة قائلًا:

- بس كدة، اوقفى بقى هنا دقيقة يا فوفتى .

سألته مندهشة: 

- وجفت ليه؟ فى حاجة يا زكى؟

رفع نور الكشاف على وجهها ليقول برومانسية ورقة يدعيها:

- فيه يا فوقية، عشان بصراحة انا نفسى اشكرك اوى ع اللى عملتيه معايا .

بابتسامة شقت ثغرها ردت بخجل:

- تشكرنى ليه؟ وعل إيه يعني يا زكي؟ هو انت مش جولت ان انا وانت واحد.

بابتسامة غامضة وغريبة لم تفهمها رد زكي:

- فعلا واحد يا قلبي، بس الواحد بيقبلش القسمة على اتنين.

طالعته بعدم فهم، قبل أن يباغتها بطعنة حادة أسفل البطن، بسكين صغير، كان يخفيها في جيب البنطال الخلفي، شهقت بألم قاتل وكفها ذهبت على موضع الطعنة، وأعينها تفيض بالعتب والتساؤل، تجاهل هو ليعيد الكرة بعدة طعنات على أماكن مختلفة وهي لاحول لا ولا قوة، وقد خارت قواها، حتى سقطت على الأرض أسفل قدميه، تردد بكلمات غير مترابطة

- ليه كدة؟ ليه؟ ليه؟

- ليه إيه؟ 

قالها وهو يمسح بمنديل ورقي الدم الذي يغطي السكين، قبل أن يعيدها لجيبه، ليجثو على ركبتيه يراقب احتضارها بقلب ميت، فخرج صوتها بصعوبة مع ألم نفسي وجسدي عنيف:

- حرام عليك يا زكي، حرام.

تبسم ببلادة غير اَبهًا ليتناول كفيها، يخلع عنها خاتم انتصار، واسورة وضعتها ايضًا حول رسغها، وهاتفها الذي وقع معها ليردد لها:

- معلش بقى يا فوفتي، اصلك كنتى هتبقى شوكة فى ضهرى، وانا بقى عايز اتنقل لمستوى تانى، انتى مالكيش مكان فيه، أو ميلقش عليكي بمعنى أصح..... سلام بقى يا فوفه . 

قالها وانتفض واقفا ليذهب ويتركها مرتمية كالجثة على النجيلة الخضراء وسط المزروعات، بعدما سحب الهاتف والنقود وكل شيء، وأفقدها القدرة على الوقوف على قدميها، بهذه الطعنات العديدة،

لتظل على حالها تتوجع وتحتضر تنتظر اللحظة الحاسمة، في قرب الأجل، لتموت كالبهمية هنا ولا يشعر بها أحد، الا يكفي أنها عاشت لقيطة، ليكون مصيرها أيضًا بهذا البؤس المقيت، نزلت دمعة ساخنة منها تبكي حظها وقدرها الذي أودى بها لهذه النتيجة، وما ينتظرها من حساب ايصًا لما فعلته في حياتها، لتذرف بدل الدموع دمًا.

وفي وسط افكارها السوداء وشعورها بقرب الأجل، تذكرت فجأة ما أخفته أو بالأصح تناسته في جيب صــ درها في الأعلى، فتحاملت حتى التقطته، هاتف انتصار بعد تأكدت انه ابتعد وغادر، عل هذا يكون أملها الوحيد، حمدت ربها انها تحفظ العلامة السهلة لفتحه، لتبحث بألمها على رقم يستطيع مساعدتها الاَن في محنتها. 


❈-❈-❈


عادت بدور للاتصال بعاصم بعد ما قاطعت نيرة المكالمة بزيارتها المفاجئة، استجاب عاصم على الفور ليرد بعتب:

- اخيرا يا بدور، كل دى حكاوى مع نيرة؟

هتفت بدور تجيبه بحماس:

- حكاوى دا إيه؟ دا كان فى عركة مغفلجه هنا .

- مين اللى اتعرك عنديكم؟ .

- نيره وحربى 

- نيره وحربي! ليه ؟!

- والله ما انا عارفة ايه اللي حصل بالظبط وخلى حربي يتعصب كدة على نيرة، جال ايه؟ عشان جات متأخرة هنا، وانتي عارف بيت عمي بعيد عن هنا.

- ما هو عنده حج برضوا، الوجت صح متأخر. 

- وجت ايه اللي متأخر؟ الساعة متمتش تسعة يا عاصم، وهي اساسًا كان لازم تاخد المذكرة. 

- برضوا كان جدمت شوية، اسمعي الكلام ومتراجعيش معايا في الحديت، مش كفاية لطعتيني عشان خاطرها انتظرك بالساعة. 

قالها بجدية جعلت بدور تضحك بالفعل قبل أن تجفل على اتصال وارد اثناء المكالمة، نظرت في الشاشة لتصعق باسم المتصل قائلة:

- اللحج يا عاصم، انتصار بترن عليا !

سمع الاَخير لينتفض بجذعه عن الفراش يرد بعصبية:

- بترن عليكى ليه العجربه دي؟ وهى تعرف نمرتك منين ؟؟

ردت بخوف:

- معرفش يا عاصم، بس انا اساساً نمرتى عنديها من ساعة خطوبة ولدها و، حمد لله الرنة خلصت.

قالتها بارتياح، فقال عاصم بغضب:

- وانتى ايه اللى يخليكى تخافى منها؟

- مش حكاية خوف، بس انا مستغربة، اصلها اول مره تعملها من ساعت ما فركشنا الخطوبه و .... ... يامرى يا عاصم، دى بترن تانى.

قالتها وهي تري اسم المتصل الذي عاود الاتصال مرة أخرى، لتزيد من اشتعال الاَخر، فهدر بغضب وعصبية 

- افتحى عليها وانا معاكى ع السكة، عشان لو غلطت بحرف واحد اكون مربيها .

ردت بتردد:

- لكن يا عاصم... 

قاطعها بأمر لا يحتمل النقاش:

- إخلصى يا بدور.

أذعنت مضطرة لتفتح الهاتف وهو معها ع الخط لتجعلها مكالمة مشتركة، وجسرت نفسها تدعي القوة قائلة:

- الوو.. انتى عايزه ايه ؟!.... 

جاءها رد الطرف الثاني بصوت ضعيف بالكاد يكون مسموع 

- ايوه يا ست بدور، انا فوقية تعالي اللحجيني.

قطبت بدور بعدم فهم لتعيد النظر في الرقم مرة أخرى لتقول باستغراب:

- انتى مين؟

جاءها الرد برجاء وصوت باكي:

- أنا فوقية خدامة انتصار، اللحجينى الله يخليكي انا بموت، وجولى لاهلك يلحجوا زكي جبل ما يهرب بفلوس ابوكى والدهب اللى سرجهم لما حرق البيت .

كتمت بدور شهقتها بوضع كفها على فمها، وجاء الرد من عاصم، الذي تحفزت كل خلية من جســ ده، وانتفخت أوداجه، ليهدر بصوت عالي بينهن:

- زكى مين يا بت؟ فهمينا الحكاية بالظبط.

اضافت بزور ايضًا :

- جولى يا فوقية وتكلمي، دا عاصم اللى معايا ع الخط، يبجى مين زكي ده ؟!. 


..... يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-